القائمة الرئيسية

الصفحات

حول العالم

بطلان الفتوى بإغلاق المساجد لأجل فيروس كورونا


بطلان الفتوى بإغلاق المساجد لأجل فيروس كورونا




للقول بإغلاق المساجد رأي آخر وهو قوي في بابه مؤصل مخالف لفتوى الحظر.. بعنوان:
هوامش على متن فتاوى تعطيل المساجد
للشيخ: محمد سالم بن عبد الحي بن دودو
فقد كثرت في هذه الأيام الفتاوى في نازلة كورونا وأثرها على الاجتماع للصلوات الخمس والجمعات، واختلفت هذه الفتاوى بين موجب لإبقاء شعيرة الصلوات في المساجد مع الترخيص في التغيب عنها لمن شاء، وبين مجيز لإغلاق المساجد ومنع دخولها مطلقا 
.
وقد سلك كلَّ واحد من المنحيين علماءُ أجلاء، وطلبة علم فضلاء، وهيئات علمية معتبرة.. لا مطعن في مستواهم العلمي، ولا في وازعهم الديني، ولا في إرادتهم الخير والإصلاح.. ولكن الموفق من وفقه الله .

وقد كان يسعني السكوت، لانتداب من تقوم بهم الحجة ويتبين بفتاويهم الحق الذي لا غبار عليه، وهو أن عمارة المساجد من شعائر الله التي يجب تعظيمها، ولا يجوز تعطيلها ولا حمل الناس على هجرها، لأي سبب.
غير أنه دعاني لهذا البيان ثلاثة أسباب؛

أولها- أسئلة خصوصية وصلتني من بعض الأحبة المولعين بحسن الظن، تستفسر عن الموقف الشرعي من هذه القضية، وتدعو إلى رفع اللبس الذي خلفته فتاوى التعطيل 
.
وثانيها- طلبات من بعض الزملاء الفضلاء المقتنعين بضرورة إغلاق المساجد فترة الوباء، يريدون وضع الأصبع على مكمن الخلل المزعوم في فتاوى التعطيل، ويرغبون في توضيح وجه الاعتراض وفق منهج أصولي يحرر محل النزاع، وينقح الأدلة، ويحكم التنزيل .

ثالثها- رجاء أن ينظر في هذه الكلمات بعين الإنصاف من شاء الله من العلماء الصلحاء الدائرين مع الحق لا يضرهم من أي وعاء خرج، فينتبهوا لوجه الهفوة التي قادتهم على حين غرة لموقف طالما حاذروه وحذروا منه، ألا وهو الصد عن بيوت الله والسعي في خرابها، وقد قال الله تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها، أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خافين، لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم)، أو رجاء أن ترفع إلى حاكم فيه بقية خير وإيمان وصلاح، راح ضحية تلك الفتاوي الواهية أو كاد، فيتوبَ إلى الله ويقلعَ عن تعطيل بيتوته قبل أن يلقاه  .

وقد رأيت أن أقسم هذا التوضيح إلى أربع وقفات؛ أولاها لتحرير محل النزاع، وثانيتها لتنقيح الأدلة، وثالثتها لتنزيل الحكم، ورابعتها رسائل إلى العلماء والحكام وعموم المصلين.

الوقفة الأولى: تحرير محل النزاع


ينحصر النزاع في هذه النازلة في مسألة واحدة وهي: هل يجوز إغلاق المساجد منعا لانتشار الوباء؟ أم لا؟
ولا خلاف (من حيث فقه الواقع) في وجوب الأخذ بأساب الوقاية المشروعة، والتقيد بنصائح أهل الاختصاص، وبقرارات أولي الأمر ما لم تبح تلك النصائح والقرارات حراما قطعيا، أو تلغ معلوما من الدين بالضرورة.

وإنما السؤال هنا هل يمكن أن يعتبر إغلاق المساجد وتعليق شعائر الجمعة والجماعة وسيلة مشروعة للوقاية من الأوبئة ؟!

ولا خلاف (من حيث فقه الشرع) في الأمر بتجنب المشتبه في مرضهم للمساجد منعا لأذى عمارها بما هو أشد عليهم ضررا من رائحة الثوم، ولا خلاف في الفتوى بأفضلية التغيب عن الجماعة لضعفاء المناعة ومن يلازمونهم عند الخوف من عدواهم، ولا خلاف في الترخيص لمن شاء في التغيب عن صلاة الجمعة والجماعة حين ينتشر الوباء ويخاف الناس على أنفسهم هلاكا أو شديد أذى، ولا خلاف في أن لولي الأمر أن يشهر لرعيته هذه الرخصة ويندبهم للأخذ بها، فيأمر المؤذنين بتذييل الأذان بعبارة (صلوا في بيوتكم) أو تضمينها فيه بدل الحيألتين (حي على الصلاة، حي على الفلاح)، ولو أدى ذلك إلى خلو المساجد من غير طواقمها، أو من يقوم مقامهم إذا هم فضلوا الأخذ بالرخصة..

وإنما الخلاف هل للحاكم الحق في تعطيل شعيرتي الجمعة والجماعة عنوة؟! ووصد أبواب المساجد في وجوه الراغبين في عمارتها، ممن يفضلون الأخذ بالعزيمة الأصلية على الركون للرخصة الوقتية ؟!

الوقفة الثانية: تنقيح الأدلة

قبل مناقشة الأدلة لا بد من التوطئة بأن الفتوى بجواز إغلاق المساجد باطلة من حيث المبدأ، لكونها اجتهادا يعود على النصوص بالإبطال وعلى الإجماع بالنقض.. فقد تواترت النصوص القرآنية والحديثية على التحذير من تعطيل المساجد وعلى الحض على عمارتها وإظهار صلاة الجماعة في الخمس، وحسبنا من القرآن الكريم قول الله تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله)، وحسبنا من السنة حديث أبي داود والنسائي بإسناد صحيح عن أبي الدرداء مرفوعا: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان).

   وقد انعقد الإجماع على وجوب إقامة الجمعة وإشهارها في كل بلدة تستوفي الشروط .. ولم ينقل نص ولا اجتهاد يرخص لمجموع الأمة أو لأهل بلدة منها في تعطيل الجمعة، وإنما ثبتت الأعذار والرخص في حق آحاد الأمة، لا في حق مجموعها أو مجموع أهل بلدة منها بعينها.

وبناء على هذه التوطئة فإن فتوى تعطيل المساجد لا عبرة بها لمصادمتها لجملة من النصوص الموجبة لعمارة المساجد، وخرقها للإجماع الثابت المقتضي وجوب إقامة الجمعة على كل مكلف في نفسه، وعلى ولي أمر في رعيته وإيالته.

وعلى الرغم من ذلك فقد حشد المجيزون لإغلاق المساجد جملة من الأدلة لا مدخل لها في محل النزاع، وقد أشرت إلى أهمها في فقرة تحرير محل النزاع، وأكدت أنه لا خلاف فيها من جهة، وأنه لا دليل فيها لمحل النزاع من جهة ثانية..

ولعل أقرب تلك الأدلة إلى الاعتبار، ما يلي :

أولا- حديث: (صلوا في بيوتكم)، ولا يخفى بطلان الاستدلال به عند أول تأمل؛ فصحيح أن الضرر الناتج عن انتشار الوباء أشد وأعم من الضرر الناشئ عن المطر والبرد والوحل، ولا شك أنه يصح إلحاق الأول بالثاني في الحكم، بقياس جلي من باب أولى.. فلا نزاع في ذلك البتة.

ولكن الوهم قد اعترى أصحاب الفتوى فأعطوا الفرع حكما لم يثبت لأصله، ألا وهو تعطيل المساجد ومنع الصلاة فيها. ذلك أن الحكم الثابت للأصل والذي لا نزاع في صحة إلحاق الفرع به هو مجرد الرخصة في التغيب لمن شاء ومشروعية إشهار ولي الأمر لتلك الرخصة، ولا يمكن بأي منطق أصولي أو استدلالي سليم أن يعطى الفرع حكما لم يثبت للأصل المقيس عليه.

ثانيا- حديث: (قتلوه قتلهم الله)، وقصة الصحابة الذين أفتوا الجريح الجنب بوجوب الاغتسال في البرد الشديد، فكان ذلك سببا في موته. ولا شك في وجاهة الاستدلال بهذا الحديث والقصة، في الرد على من يمنع آحاد الناس من الأخذ برخصة التغيب عن الجمعة والجماعة في مثل هذه الحالات أو يشدد عليهم بما يجلب العنت ويوقع في الحرج، غير أنه لا وجه للاستدلال به على بطلان الفتاوى التي تَعتبِر تلك الرخص وتُقدرها، وتنفي الحرج عن الآخذين بها؛ لمجرد أنها لم تجز منع الراغبين في الأخذِ بالعزيمة بقاء على الأصل الذي هو الصلاة في المساجد.

ثالثا- أحاديث الحيطة من العدوى؛ (لا يورِد ممرض على مصح) و(فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد)، ولا دليل فيهما لتعلق الأول وما شاكله بما ذكرنا في المسائل المتفق عليها الخارجة عن محل النزاع من أنه لا يجوز للمشتبه بإصابته بمرض معد أحرى المتلبس به تحقيقا أن يرتاد المساجد لما في ذلك من إلحاق الضرر بعمارها الأصحاء، وتعلق الثاني ونحوه بما قدمنا الاتفاق عليه أيضا من وجوب الأخذ بالاحتياطات المشروعة التي تنصح بها الجهات المختصة أو يقررها أولو الأمر العام.. مما لا يُحِل حراما، ولا يلغي معلوما من الدين بالضرورة.

ولا وجه للاستدلال بهذه الأحاديث على جواز إغلاق المساجد وودع الجمعات، لمجرد قيام احتمال العدوى.

 وأما الفتاوى المانعة لتعطيل الجُمَع والجماعات الموجبة لعمارة المساجد فلا تحتاج دليلا أكثر من البقاء على الأصل الذي تواترت عليه الأدلة وهو وجوب عمارة المساجد، فصار في حكم المعلوم من الدين بالضرورة، وانعقد الإجماع على بعضه (كالوجوب العيني للجُمُعات)، فلا يعدل عنه بدعوى اجتهاد حادث، إذ لا اجتهاد مع وجود النص، ولا عبرة بخلافٍ جاء بعد أربعة عشرة قرنا من انعقاد الإجماع على حرمة ودع الجمعات.

الوقفة الثالثة: تنزيل الحكم


رغم ما قدمنا من عدم مشروعية الاجتهاد في هذا الموضع أصلا، ورغم ما بيَّنا من بطلان الاستدلالات له، وفسادها من كل وجه.. فإننا لن نغفل مناقشة ما حوته فتاوى التعطيل من زعم توظيف المقاصد والمآلات، والاحتماء بفقه الواقع والمتوقع لتنزيل الحكم الخارق للإجماع والمعطل لنصوص الوحي. وهذا بيان خللها من الزوايا الأساسية التي هي فقه الواقع، والنظر في المآلات، والموازنة بين المصالح والمفاسد.

أولا- من حيث فقه الواقع؛
تتمثل خطورة وباء كورونا في خمس تجليات، هي؛ قابلية العدوى، وطول فترة الحضانة الخفية، وسرعة الانتشار، وانعدام الأدوية، واستهدافه للجهاز التنفسي ذي الخطورة القصوى على حياة الإنسان.

ومع تصنيف منظمة الصحة العالمية له بصفة "وباء عالمي"، فإن بياناتها لا تزال تؤكد أنه من أقل الأمراض والأوبئة خطورة على حياة الناس عموما وعلى المصابين به خصوصا.

أما محدودية خطورته على حياة الناس عموما، فيؤكدها في بيانات منظمة الصحة العالمية كون الأغلب الأعم من المصابين به هم ممن تجاوزوا 55 سنة من الجنسين، أو من الحوامل ممن دون ذلك من النساء.

وأما محدودية خطورته على حياة المصابين به خصوصا، فيؤكدها في بيانات المنظمة أن نسبة الوفاة به تتراوح بين 2 و4% من حالات الإصابة المؤكدة، كلهم من ذوي الأمراض المزمنة أو ضعفاء المناعة، في حين تتراوح نسبة الشفاء منه كليا بين 50 و80% من حالات الإصابة المؤكدة، وتظل النسبة الباقية محتملة للشفاء مع الوقت، حتى مع عدم التوصل إلى مصل لمعالجته.
وهذه المعطيات تدعو إلى اتخاذ كل التدابير المشروعة الكفيلة بالوقاية، ولا تدعو إلى هلع يستخف الناس عن إقامة شعائرهم التعبدية.

ثانيا- من حيث فقه التوقع (النظر في المآلات(:

انطلقت فتاوى التعطيل من فرضية مفادها أن استمرار عمارة المساجد، ولو مع إشهار فتوى الترخص في التغيب عنها وتشجيع العامة على الصلاة في بيوتهم، سيؤدي لا محالة إلى انتشار الوباء بين عمارها، وهي فرضية تقرر مآلا لا قرينة عليه من شواهد الواقع، إذ لا يزال المصلون عموما من أقل الناس عرضة للوباء.

ثم كأنهم سلموا بأن إصابة شخص بالوباء تعني موتا محققا أو راجحا، وهو خلاف توقعات منظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة بالمناطق الموبوءة كلها، إذ لا يتوقعون تخطي نسبة الوفاة به لحاجز 5% من الإصابات المحققة.

وأغفلت هذه الفتاوى النظر إلى مآلات الفتاوى نفسها، وما سيترتب عنها لا محالة من تجرئة كثير من الحكام المستهترين (مسلمهم وكافرهم) على إغلاق المساجد بدعوى جلب المصالح ودرء المفاسد، وتسلط بعضهم عليها لأتفه الأسباب وأشدها ضبابية، كتصنيفها بؤرا للإرهاب والتطرف.. أو الكراهية ومعاداة السامية.. أو مناهضة حقوق الإنسان والتحريض على الأقليات ومخالفة المعاهدات الدولية.. وغيرها من قوالب التهم الجاهزة... وسيكون إغلاقها اليوم تحسبا للضرر المتوقع من كورونا دليلا جاهزا غدا لوجوب إغلاقها في تلك النوازل "المحققة" الأضرار بزعمهم.

ثالثا- الموازنة المقاصدية في جلب المصالح ودرء المفاسد؛

حاصل ما استدلت به فتاوى التعطيل هو الاعتماد على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأن مفسدة إزهاق الأرواح بالعدوى حَرِيةٌ بأن تستدرأ بتفويت مصلحة عمارة المساجد التي هي من مكملات حفظ الدين.


وهذا الطرح يعاني من عدة اختلالات، نكتفي باثنين منها:

1-    المصالح والمفاسد المعتبرة شرعا يلزم فيها الإثبات المحقق أو المظنون ظنا غالبا، ولا تثبت ولا تعتبر بمجرد الاحتمال العقلي أو العادي، كاحتمال وجود حاملين للفيروس في رواد أي مسجد. فهذا وهم لا ظن ولا تحقيق، ولا يمكن أن ترتب عليه أي موازنة مقاصدية، لاسيما إن كانت المصلحة المراد تفويتها دفعا للمفسدة المظنونة، مصلحة قطعية محققة، كأداء الجمعة الواجب على أعيان المكلفين في أنفسهم وعلى الحكام في رعاياهم.

2-    منع الاجتماع للصلوات الخمس وللجمعات في هذه الفتاوى هو وسيلة لمنع انتشار العدوى، والوسيلة إذا لم تحقق مقصدها لم تشرع. ومعلوم أن الممتنع من شهود الجماعة بقرار فردي أو عمومي يظل معرضا للعدوى في بيته أو مكتبه أو طريقه أو غيرها.. ولا تتحقق مصلحة حمايته بهذه الوسيلة منفردة، ولا يمكن فرض عزلته عن أهل بيته ولا منعه من الاختلاط بالغير في كل المصالح الضرورية أو الحاجية في شؤون الإدارة والتجارة والخدمات.. 

فكان الاقتصار على منعه من مخالطة الغير في الصلاة باطلا إلا على اعتبار أن الاجتماع للصلاة أمر حاجي كالاجتماع للدراسة، أو تحسيني تتميمي كالاجتماع للأعراس والولائم، أو عبثي كالاجتماع للمباريات، أو باطل كالاجتماع في الملاهي والمراقص.. وأما منع الاجتماع لها مع اعتبارها مكملة لكلية حفظ الدين وعدم منع ما يساويها أو يقصر عنها من مكملات حفظ النفس وحفظ المال وغيرها، فهو تحكم وانتقاء لا يستقيم عند ذي نظر سليم.

والصواب أن الموازنة الصحيحة في هذه النازلة تقتضي فتح المساجد أمام الـمُصِرِّين على الأخذ بعزيمة إعمارها، وتشجيع المستعدين للأخذ برخصة التخلف عنها. وهي موازنة كفيلة بالحد من اكتظاظها، بما يحقق المصلحة الدنيوية المظنونة في الحد من احتمالية العدوى، والمصلحة الدينية المحققة في المحافظة على الشعائر التعبدية.

وما يحقق هاتين المصلحتين (الدنيوية الظنية، والدينية القطعية)، ويدفع الضررين المترتبين على تفويتهما أولى إجماعا مما يدفع المفسدة الدنيوية الظنية، بتفويت المصلحة الدينية القطعية.

الوقفة الرابعة: رسائل وتوصيات

أولا- رسالة إلى العلماء، وفيها نداءان؛

1-    نداء موجه إلى العلماء الأفاضل الذين جوزوا إغلاق المساجد ومنعوا إقامة الجمع والجماعات بها، ولهم أقول: أذكركم مشايخي وإخواني، بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)، فكيف بكم معاشر العلماء إذا لقيتم ربكم –لا قدر الله- قبل أن تفتح المساجد من إغلاقها باجتهاداكم وفتاويكم ؟! وكيف بكم يوم تردون على المصطفى صلى الله عليه وسلم عند حوضه الشريف غرا محجلين من أثر الوضوء، فيقول عباد مكرمون –لا سمح الله-: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك!! لقد غيروا وبدلوا!!.. لقد ماتوا وتركوا بيوت الله معطلة، بعدما أرغموا عمارها على إخلائها فرارا من قدر الله.. فيقول: ألا فسحقا سحقا..

ثم أذكركم وأنتم أدرى، بأن قهر النفس في الدنيا بالرجوع إلى الحق، خير من إذلالها في الآخرة بالتمادي على الباطل.

2-   نداء موجه إلى العلماء الربانيين الذين عصمهم الله بفضله وأيدهم بتوفيقه للتمسك بالحق في أوج هذه الفتنة؛ أدعوهم للصدع بالحق بلا مواربة ولا مجاملة، وهم يعلمون أن حكم الحاكم إنما يرفع الخلاف في العمل ولا يرفعه في العلم، فليشتغلوا ببيان الحق ودفع الشبه.. وليتذكروا أن الدين النصيحة.

ثانيا- رسالة إلى حكام المسلمين، وفيها رجاءان؛

1-    رجاء موجه إلى الحكام المسلمين الخيرين الذين أصدروا قرارات بناء على هذه الفتاوى الواهية، أن اتقوا الله وأعيدوا النظر في الأمر فهو أخطر مما صور لكم، فلا يحل لكم أن تمنعوا ضيوف الله من عمارة بيوته، ولتعدوا الجواب إذا خاطبكم رب العزة من غير ترجمان: كيف آذن لعبادي بذكري في بيوتٍ أضفتها لنفسي ثم تمنعونهم منها ؟! ألم تسمعوا قولي: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ..)، أيأذن الرب ويمنع العبد ؟! (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) ؟!

2-   ورجاء موجه إلى الحكام المسلمين الخيرين الذين أنجاهم الله حتى الآن مما ابتلى به غيرهم، أن احمدوا الله على العافية، واتقوا الله في رعاياكم وإياكم أن تجلبوا عليهم مصيبة في دينهم تزيدون بها ألم مصيبتهم في دنياهم.. وإذا سبق القدر بانتشار العدوى من خلال المساجد –لا قدر الله- فيكفيكم حجة أمام الله أنكم بذلتم الوسع في منع كل سلوك من شأنه نشر المرض إلا سلوكا هو سبحانه أذن فيه، فقال قوله الحق: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه)، وأنكم منعتم كل وسيلة تقود إلى المرض إلا وسيلة هو سبحانه حذركم من منعها، فقال: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها)؟!

ثالثا- رسالة إلى عموم المصلين، وفيها ثلاث توصيات؛

1-   وهو أن يوقنوا بأن الوباء مهما انتشر واستشرى فلن ينقص من آجالها يوما ولا ساعة، وأن الأسباب والاحتياطات مهما بلغت فلن تدفع عنهم قدرا ولن تمد في آجالهم ساعة ولا أقل، وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، وما أصابهم لم يكن ليخطئهم، رفعت الأقلام وجفت الصحف.. فليـأخذوا بالأسباب الدنيوية تعبدا وامتثالا لا اعتقادا واتكالا، وليحافظوا على الشعائر الدينية إيمانا واحتسابا.. فذاك التوكل الصحيح، الذي لا يهمل صاحبه الأسباب، ولا ينشغل بها عن التعلق بالحكم المدبر.. وليجعلوا من هذه المحنة منحة تقربهم إلى الله وتحيي فيهم كوامن الضراعة والالتجاء إليه والتذلل والتوبة له سبحانه وتعالى.

2 -   أن يأخذ من شاء منهم برخصة التغيب عن المساجد ولا حرج، ناويا تخفيف الازدحام وتقليل المخاطر، وليأخذ بعزيمة إعمارها من شاء ممن لم ير ضرورة للترخص، ولينو القيام بالفرض الكفائي عن حيه وبلدته.

3-    أنصح أئمة المساجد وعمارها في البلدان التي يقرر حكامها (مسلمين أو غير مسلمين) إغلاق المساجد فيها، بالتقيد بتلك القرارت على جورها ومرارتها، مع إنكارها بالقلب وباللسان، وإنكار الفتاوى التي سوغتها قدر المستطاع، والحذر كل الحذر من الاصطدام بالأنظمة الحاكمة؛ درءا للفتنة، وحفاظا على بقية السكينة، لاسيما وأنهم اتخذوا قراراتهم هذه بتأويل يرفع عنهم تهمة الانتهاك الصريح لقدسية المساجد، والاعتداء البواح على حرمتها، ولو كان ذلك التأويل بعيدا فاسدا، كما بينا.

وفي ختام هذه الهوامش التي أرجو أن تكون حجة لي لا علي، وأن ينفع الله بها من شاء من عباده المؤمنين؛ علمائهم وعامتهم، حكامهم ومحكوميهم.. أجدد التأكيد على ما بدأت به وثنيت من تقديري لمشايخي وإخواني أصحاب الفتاوى المنتقدة.. وعلى عدم اتهامهم في أهليتهم ولا في نيتهم.. إلى جانب ما كان من عدم المجاملة أو المواربة في الصدع ببطلان فتاويهم تلك جملة وتفصيلا، وتأكيد خطورتها على كلية حفظ الدين ومكملاتها.

والله الموفق للحق، والهادي إلى الصواب، وبه الاستعانة وعليه التكلان..


تعليقات