القائمة الرئيسية

الصفحات

حول العالم

الحبكة السردية في الحكايات الإفريقية: فاطمة بيدار سيمبري، نموذجا./ الدكتور عمران سعيد ميغا

الحبكة السردية في الحكايات الإفريقية:فاطمة بيدار سيمبري، نموذجا.


إن الأساطير والحكايات التراثية غذاء كل أمة وروح حياتها...فعندما تعود الأمة إلى بناء حكاياتها الأسطورية إنما تسعى إلى تحقيق وجودها في هذا البقاء والأخذ بمكانتها من بين عدة تراث في هذا الكون..." ذلك أن الأسطورة ليست مجرد نتاج بدائي يرتبط بمراحل ما قبل التاريخ أو بعصور التاريخ القديمة في حياة الإنسان. وأنها لذلك لا تتفق وعصور الحضارة، وإنما هي عامل جوهري وأساسي في حياة الإنسان في كل عصر، وفي إطار أرقى الحضارات..."[i]
والحكاية التي نحن بصدد الحديثة عنها هي حكاية اشتملت على رموز أسطورية لعدة أفراد ولعدة شعوب...حكاية فاطمة بيداري سيمبري...يرويها المحاكي النيجري جادو سيكو...ملخص الحكاية أن بنت بيداري امرأة ذات جمال ومنسب توفي عنها والدها وترك لها ثروة هائلة إضافة إلى جمالها الباهر الذي ملأ الكون خبره...وقد قدر الله أن صادف وجوده هذه المرأة عصرَ جماعة من الشجعان والأبطال الأسطورية مثل: دوندو غولبا ديكو. بوبو أردغلو. بكاريجا. أما ألسين غاكوي. جلاهمبادو جلا باتي...هؤلاء كلهم بواسل كانت حكاية مغامرات كل واحد منهم أشبه بشيء من الأسطورة لشدة ما تحتويها من الأمور الغريبة والمفاجعات التي تفوق تصور عقل البشر.
  وكل من هؤلاء الشجعان يزور فاطمة ولكنه لا يقابلها، وإنما من يزورها ترحب به في منزل الضيافة فترسل إليه فاطمة خاتمها مع قوالها أو مادحها[ii]..فهو الذي يؤانس الضيف حتى يستأذن بالانصراف...فيترك الهدايا التي جاء بها للسيدة فاطمة دون أن يكون قد قابلها...مع أن كل منهم يطمع في أن يحظى بالقبول لديها وأن يجعلها زوجة له...ولكن الأمر صعب، من لا تجد عندها محادثة فكيف تتوقع فيما فوق ذلك.
وتستمر الحياة هكذا والسيدة فاطمة فوق قصرها لا تنزل لأحد ولم يخطر ببالها أنها..

   إن الأساطير والحكايات التراثية غذاء كل أمة وروح حياتها...فعندما تعود الأمة إلى بناء حكاياتها الأسطورية إنما تسعى إلى تحقيق وجودها في هذا البقاء والأخذ بمكانتها من بين عدة تراث في هذا الكون..." ذلك أن الأسطورة ليست مجرد نتاج بدائي يرتبط بمراحل ما قبل التاريخ أو بعصور التاريخ القديمة في حياة الإنسان. وأنها لذلك لا تتفق وعصور الحضارة، وإنما هي عامل جوهري وأساسي في حياة الإنسان في كل عصر، وفي إطار أرقى الحضارات..."[i]
والحكاية التي نحن بصدد الحديثة عنها هي حكاية اشتملت على رموز أسطورية لعدة أفراد ولعدة شعوب...حكاية فاطمة بيداري سيمبري...يرويها المحاكي النيجري جادو سيكو...ملخص الحكاية أن بنت بيداري امرأة ذات جمال ومنسب توفي عنها والدها وترك لها ثروة هائلة إضافة إلى جمالها الباهر الذي ملأ الكون خبره...وقد قدر الله أن صادف وجوده هذه المرأة عصرَ جماعة من الشجعان والأبطال الأسطورية مثل: دوندو غولبا ديكو. بوبو أردغلو. بكاريجا. أما ألسين غاكوي. جلاهمبادو جلا باتي...هؤلاء كلهم بواسل كانت حكاية مغامرات كل واحد منهم أشبه بشيء من الأسطورة لشدة ما تحتويها من الأمور الغريبة والمفاجعات التي تفوق تصور عقل البشر.
  وكل من هؤلاء الشجعان يزور فاطمة ولكنه لا يقابلها، وإنما من يزورها ترحب به في منزل الضيافة فترسل إليه فاطمة خاتمها مع قوالها أو مادحها[ii]..فهو الذي يؤانس الضيف حتى يستأذن بالانصراف...فيترك الهدايا التي جاء بها للسيدة فاطمة دون أن يكون قد قابلها...مع أن كل منهم يطمع في أن يحظى بالقبول لديها وأن يجعلها زوجة له...ولكن الأمر صعب، من لا تجد عندها محادثة فكيف تتوقع فيما فوق ذلك.
وتستمر الحياة هكذا والسيدة فاطمة فوق قصرها لا تنزل لأحد ولم يخطر ببالها أنها..

وفي الغد توجهت الوالدة وخدامها إلى سوق سا، فوصلوا مبكرين في الساحة ونصبوا سترة للسيدة( الناموسية: وهي شبكة للوقاية من البعوضة) مما أبهر الحاضرين في السّوق حيث استغربوا من تنصيب سترة في الزوال وفي السوق أيضا...وعندما ارتفعت الشمس وقت الضحى أطلق ابن الأمير كلبه كعادته...والكلب يعدو مهرولا فلم يلوي إلى شيء سوى أن توجه إلى أواني أم فاطمة وهي ممتلئة بالسَّمْن أي زيت الأبقار... وعبيدها يحيطون بها...فلم تجد بدًا إلا أن ضربت الكلب بعصا أعدت لهذه المهمة قبل وصولهم إلى السوق...فوقع الكلب ميتا...وجاء ابن الأمير مفزعا منْ ضرب كلبي؟! من ضرب كلبي؟! ..وعادةُ الكلب أن الكل يعرف أنه يفعل بأمتعتك ما يفعل فلا يلمس...ولكن السيدة والدة فاطمة بيداري سيمبري ليست ممن يتعدى عليها صاحب الكلب فضلا عن الكلب لذا لم تتمالك نفسها، ولم تصبر عليه.
وهذا الحدث زاد في استغراب الحضور أيضا...فأمر ابن الأمير أن تجلد قدرا من الأسواط...وقدرا من الأسواط أيضا لخدامها حتى يعرفوا أن السوق ليس لهم. ونادى الحجامين...فقال لهم أنتم أدرى بوُسوم القبائل[i]حسب رحلاتكم في العالم...فكل من عرف علامة توسم بها قبيلة فليوسمها على المرأة...فشققوا جميع وجه المرأة بل حتى رأسها أحلقت....ثم تركت فقال لها اصعدي إلى السماء لتشتكي لأن الأرض خالية ممن يقدر على الانتقام لك.
فرجعت الوالدة إلى البيت كسلانة الحال ومنخفضة الصوت...لا تريد أن..



  وتستمر الحياة هكذا والسيدة فاطمة فوق قصرها لا تنزل لأحد ولم يخطر ببالها أنها ستنزل يوما إن لم يكن للزواج أو لقضاء العيدين...عندها خادماتها وعبيدها...فلا حاجة لها من الخروج فهي مخدومة.
ويحدث أن والدتها من صنف البشر الذي يريد التباهي ويسعى إلى الوقوف على كنه كل شيء وما درت أن بعض الأمور الأفضل أن نتركها كما هي ولا نسعى إلى البحث عن حقيقتها. وهذه الوالدة التي رأت شرف بنتها ورأت حضور هؤلاء الشجعان الأبطال الذين يزاولون بيتها بين حين وآخر...فهي تريد أن تثبت سيرتها بين سطور التاريخ، وترجو أن ترى حقيقة حب هؤلاء لبنتها ومدى صحة ما يذكر عنهم من أوصاف الشجاعة مما لا يشك فيها أحد حيث طبقت صفاتهم كل أنحاء العصر.
فقالت ذات يوم لبنتها إني اريد زيارة السوق...فقالت فاطمة أي أمي العزيزة! ماذا تريدين من السوق؟ وكل ما ترغبين فيه تحت يدك....فقالت إنما أرغب في تغيير الجو وجسمي تعبت من عدم التحرك...فقالت فاطمة إن كنت قد عزمت فلا تذهبي إلى سوق ساكويري...وقد سمعت ما يصنع كلب ابن أمير سا...وسَمْنِي لا أرضى أن يلغ فيه الكلب...و(ساكوري. تختصر بـ سَا) مدينة محصّنة أميرها معروف هو أيضا صافاته خوفت الجميع من المساس به فضلا عن التفكر في الغارة على مدينته. ..فقالت الوالدة: وقد ذكرتني بنيّتي الغالية! إلى هنالك سنذهب...وحاولت البنت كل المحاولة تغيير وجهتها ولكنها أبت وصممت على نيتها.


  فرجعت الوالدة إلى البيت كسلانة الحال ومنخفضة الصوت...لا تريد أن تخبر بنتها وأمرت من معها ألا يتفهوا بما وقع لهم في السوق لأحد....وتستمر الأيام فلا تكاد فاطمة تجد وجهة حسنة لأمها لأن ما أصابها أمر عظيم أحزنها وأرهق نفسها...عند ذلك خرجت فاطمة بإحدى الفتيات التي رافقت الوالدة إلى خارج المدينة، وقد أخذت معها خنجرا ...فقال لها تعرفين أنني أملك مئات أمثالك بل أفضل منك، إن لم تخبريني بما حدث لكم في رحلتكم قطعت حبل أورادك بهذا السكين...وهددها تهديدا فأخبرتها الخادمة بما وقع في سوق سَا ...وقد استصعب الأمر على بنت بيداري. وقضت أياما في هم وغم. هي امرأة لا تستطيع محاربة ذلك الأمير...ولكن تفكرت فقالت سأجرب مدى جدية هؤلاء الذين يأتون لخطبتي...فأخذت قدرا من الذهب لتصنع به لها سفينة تسافر بها في طلب الزواج، والمهر هو رأس أمير سَا وابنه...فصنعت السفينةُ...وجهزت سفنا لمعدات الحرب. وسفنا للتنمبور وسفنا للتبغ...وهي امرأة ولكنها تملك كل شيء...فقط لا تقدر على خوض الحرب. فانطلقت قائلة: أخرج في رحلة ابتلاني الله بها لا أدري أين ستنتهي بي....وخرجت معها مادحوها...وجمع غفير من خدمها..

  من هنا تبدأ فاطمة سفرها المقدَّر عليها ...وتمر على جميع الأبطال الذين يأتونها طلبا في الزواج...وأول ما يصيبهم هو الفزع وعدم تصديق الواقع...فاطمة التي نذهب عندها ولا نلتقي بها فهي اليوم في داري!...فتبدأ المحاورة بينهما تقول عندما كنتُ في سِيمْبِري كم مرة تأتي في داري لخطبتي؟ فيقول الرجل لا أعرف عدد المرات فضلا عن أحصيها...وتقول هل رأيتني مرة؟...فيقول الرجل: لا أعرف إلا هذا الخاتم وهذا المادح. ثم تقول: نعم أنا من جاءت عندك اليوم لتتزوج بي. ولكن افتح أذنيك جيدا(أصغي إلي جيدا) مهر زواجي هو رأس أمير سَا وابنه... الحكاية تقول كل من ذكر عليه اسم سَا يتعرق...وكل ينغرق في عرقه حسب شجاعته، البعض على الساق والبعض على الحصر والبعض إلى العنق...كأنه يعيد لنا مشهد يوم القيامة حيث ينغمس الناس في أعراقهم حسب قدر ذنوبهم..  

   وبعد هذه المقولة من فاطمة يغمى على الرجل فإذا أفاق يقول لها: فاطمة! فاطمة!. اصبري علي كذا من الشهر...ولا يمكن الذهاب إلى سَا على كذب. وعدد الأشهر أيضا معدة حسب قدرة وشجاعة الرجل، البعض شهر والبعض شهرين والبعض ثلاثة أشهر وهلم جرا...فتشتاط هي غضبا؛ لترد قائلة لستَ بأمثل من المرأة، المرأة لا تشفي غليلا وأنت لا تشفي غليلا...وتأمر بإرسال السفن والمواصلة في السفر. وقد فعلت ذلك مع جميع هؤلاء البواسل الذين يهابهم الرجال. ولا يتجرأ أحد على الرد عليهم بقول حسن ناهيك عن هذا الرد القاسي...ولكن الرد لم يأت من أي أحد بل من تلك التي قدرها فوق ما يتصور...وإذا خرجت وغادرت يأتي أهل البلد على الرجل ويواسونه بأن ينسى أمر تلك المرأة...ويذكرونه: أبوك الفلاني وجدُّك الفلاني كلهم قتلوا في سَا فكيف ترمي بنفسك أنت أيضا....وفي النهاية بعد الجولة على كل من تتوقع حصول القبول عنده ليأخذوا ثأرها وإخفاق أملها لا تدري أين ستذهب...لأنها قد ردت ردا أنيفا على من مرت بهم ولا تستطيع العودة إلى الوراء وليس هناك مذهب في الأمام.
  عند ذلك يتذكر أحد المشايخ من المادحين المرافقين لها الفارس الشجعان (جلا همبادو جلاباتي Djaléhambodé Djalépato)، فقال: يا فاطمة! إذا الله لم يقدر لك أن تكوني من بين النسوة اللاتي تبقين بدون زواج هيا بنا نذهب إلى هذا الرجل...وإن شاء الله سنجد مطلبنا عنده...فتوجهت السفن إلى بلاد هذا الرجل الأخير وهو سيكون الأمنية الأخيرة التي تبقى لفاطمة إن خسرتها خلاص...فأرسلت مادحين من مادحيها إلى جلاهمبادو...ليوصلوا إليه خبر توجهها إلى بلادها...فقالت لهما: اذهبا غليه، وقولا له أن القدر قد جرّني إلى سفر لا أدري أين يتوجه به. وقد سمعت أن شمس بلاده شديدة الحرارة...أريد أن تضرب لي مظلة من الشاطئ إلى بيته. وأن يفرش الأرض بالبساط الناعمة...ومطالب كثيرة سيحققها الرجل... ولكننا سنصادف في هذا الجزء الأخير مصادفات عدة...حيث عند يصل المادحان إلى الرجل ويخبرانه برسالة فاطمة يستغرب ويقول يمازحني حتى عبيد بلادي ويأمر بسجنهما. قائلا إن صدقا فيما قالا فقد فارقا الفقر ومن نسل عنهما...وإن كانا كاذبين فعاقبته وخيمة. ثم يرسل  القوالين ليعلنوا في أنحاء بلاده أن من رأى


 ثم يرسل  القوالين ليعلنوا في أنحاء بلاده أن من رأى سفينة من ذهب أو علامة فقط من سفن فاطمة...فإن كان رقى فقد أعتقي وبالتالي يودّع الفقر إلى الأبد وكذا من نسل عنه...وإن كان فقيرا فقد أصبح غنيا إلى الأبد ومن نسل عنه.

 فهرول الناس إلى الشواطئ يتحسسون عن خبر السفن مكثوا أسبوعا ولم يروا شيئا فرجعوا إلى الدار فقالوا ريما ذلكما المادحان يكذبان...وتركوا الأمر هكذا...وفي يوم الجمعة في صباح مبكر...ذهبت امرأة عجوز إلى النهر فإذا بالنهر  يضيء عليها من لمع الذهب سفينة فاطمة...فخرجت المرأة، تجري إلى دار الأمير جلا همبادو...ومن شدة الفرح نسيت إزارها وعجزت عن الكلام إلا الإشارة إلى جهة النهر ... فلما وصلت عند الرجل قال: خذوها واستروها لعلها مفزعة من شياطين النهر...فإذا الفرح غمرتها؛ لأنها هي من ستحظى بما وعد الأمير. وستقول للفقر وداعا هي ومن من نسلها.
 وفي النهاية يستقبل جلاهمبادو ضيفته...ويرحب بها...ولكن المفاجأة أنها تجد صفقات من الرجل؛ لأنها لم تحسن التعبير عن مرادها...في ذهنها مادام الرجل يحبها فأمها أم له...وفي مستهل الحديث ليخبره بما وقع لوالدتها...قالت: والدتك...فلطمها(باو).
  ثم أعادت فأعاد اللطم...عندها غيرت العبارة فقالت: والدتي...فقال الرجل: آهان...الآن جئت... ولتعلمي أني لم ألطمك لأني لا أحبك...أو لأنك امرأة...وإنما ترقبتك...لأن هذا الكلام يتضمن خيرا وقد يتضمن شرا...ثم ذكرت لها سبب حضورها...فقال المحاكي: لما سمع الرجل اسم سا... أخذ نفسا عميقا فلما أطلقه ما خرج من أنفه نفذ المظلة وجد من أصرعهم وكسر أرجل أو أياديهم من المتطفلين الذين يريدون أن يسمعوا كل شيء... والحديث يطول بينهما من طلب المهلة لأن المذهب خطير ولكن الرجل يطلب تمديد المهلة حتى بعد الحصاد فإن هو أخرج جيشا في وقت الحصاد سيحطم الزراعة ويقع الناس في المجاعة...ولكنها قالت لم أطلب منك شيئا من معدات الحرب كلها جاهزة ليخرج الرجل هذا الجانب عذر تمديد المهلة...
 فقال: فهمت كل ما قدمت إلا سفينة التبغ والتنمبور...فقالت: هناك رجال إذا ارتفع قرن الشمس ولم يجدوا تبغا يمصونه في أفواههم أو تنبورا...عقولهم لن تعمل طوال ذلك اليوم...حكمة عجيبة من تلك السيدة النبيلة التي تريد أن تأخذ ثأرها بأي ثمن...وبالفعل يخرج جلاهمبادو إلى سَا...ومن شدة الهول في ذلك كل الوحوش في الغابة فرت إلى القرية أو المدينة يجلس الأولاد فيجري الأرنب حتى يدخل في البيت معهم...فقالت فاطمة لقد أوفى الرجل بوعده عندما قال يوم يذهب فيه إلى سَا حتى الجنين في بطن أمه سيعرف ذلك فضلا عمن على وجه الأرض...ويذهب لمحاربة سا، ويغلب عليها فيأخذ الأمير وابنه أسيرين إلى مدينة ساكويري مدينة فاطمة....فأمرت فاطمة بإكرام ضيوفها والترحيب بهم...بقرى يفوق التصور...وفي الليل هيأوا مكانا لمسامرة فاطمة وضيفه العزيز الشريف الذي أقر عينها وأشفى غليلها... فجعل 


وفي الليل هيأوا مكانا لمسامرة فاطمة وضيفه العزيز الشريف الذي أقر عينها وأشفى غليلها... فجعل أمير سَا وسادة للرجل...وابنه وسادة لفاطمة...وكلما تحدثا وطاب فثار ضحكا يضرب كل وسادته ويغمزها قائلا أخسرتم أنفسكم لأهل مدينتكم المنافقين...مع رش ماء التنبور عليهما...ولم يزالا على هذا الحال حتى أصبحا...وفي الصباح قالت أن يذهب بهما إلى معقل الحصان فيتركان أمام المخرج ثم يضرب الحصان المهر للخروج...فجعل الحصان يمرون عليهما البعض يقفز والبعض يدعس عليهما ...وبعد مرور الحصان الموجودة في الحظيرة لم يستطع أحد أن يفرق بين التراب ولحم الأمير وابنه فصارت حوافر الحصان قبرا لهما...وبهذا تنتهي الحكاية.
رغم أننا لخصناها إلا أن هناك وقفات يمكن أن يوقف الإنسان وهو يستمع إلى هذه الحكايات التي أشبه ما يكون بأسطورية...
نجد أن المحاكي ارد أن يجمع جميع هؤلاء الأبطال في حكاية واحدة لإبراز قيمة واحد من بينهم...وإلا كل منهم يمثل بطلا أسطوريا وله حكايته وأنه رمز لأمته...بل البعض منهم يرسل مادحه في الوغى ليخبر الناس قبل وصوله فمن كان سعيدا غادر قبل وصوله والشقي ينتظره حضوره...والبعض اعتقدت جماعته أنه لم يمت بل تحول إلى الرعد مثل بكاريجا الذي حارب الجان...ولكنه من حنكته وشدة حسن الحبكة استطاع أن ينظمها في سلك واحد وحسنت بدون تنفر ولا تشويه لصورة أحد منهم. لو كان هناك تشويه يكون في عجز البعض عن استجابة مطلب السيدة...وهو تمهيد مهد به المحاكي ليتوصل إلى مراده.
الحكاية تبرز لنا القيمة الإنسانية والمروءة في تلك الأزمان...امرأة تكسب شهرة ...والرجال الذين لا يشق لهم غبار ينزلون عندها ضيفا لغرض اللقاء بها ولكنهم لا يلتقون بها....كما تبرز ما تتمتع به المرأة من مكانة مرموقة في الوسط الاجتماعي.
وهناك رموز تصور مدى ثروة السيدة فاطمة بنت بيداري سيمبري: صنع سفينة من ذهب. تجهيز سفر بمعدات الحرب. إعداد سفن بمحتاجات المحاربين. عدد الحصان التي تملك، ويمكن تقديرها من خلال الزمن الذي قضاه في الخروج من الحظيرة من شروق الشمس إلى غرب الشمس.
كما تصور هول ذلك اليوم يوم خروج جلاهمبادو إلى سَا، وكثرة جيوشه حيث املأ الفداء أو الصحراء حتى لم تجد الوحوش مأوى لهم إلا في المدينة.
في الحكاية ورد ذكر لعبة الملوك في الحروب: فجعل أمير سَا مع جلاهمبادو جلاباتي يلعبان الشطرنج... يقول جلاهمبادو لأمير سَا: إذا غلب جماعتي جماعتك فأنت عبدي.. ويقول: أمير سا: كلا! أنت من جاء عندي وأنت من يعتقل عبدا. فمكثا في ذلك ثلاثة أيام ...وفي اليوم الثالث..أكمل القراءة...


فمكثا في ذلك ثلاثة أيام ...وفي اليوم الثالث خرج جلا همبادو غضبانا...لأنه أوكل الحرب على ابنه وعبد شديد البأس له هذا يأخذ الشمال والآخر يأخذ الجنوب ويلتقيان عند بيت الأمير حيث تقام لعبة الشطرنج...ولكنهم أطالوا عليه، فقال جلا همبادو: من أسند أمره على أبناء هذا الزمن يفضحونه...منذ أن عرفت نفسي لم أقض يوما في مدينة ولم أنته منها، فضلا عن يوم وليلة...عند ذلك أخبراها بأنهما في يوميهما في البلد لم يلتقيا بحرٍّ واحد وأنهم أحرقوا جل المدينة إلى بيت الأمير. بمعنى الكل فر إلى طلب النجاة من بأس جلاهمبادو جلاباتي.


وبهذا نكتفي من حكاية طويلة حاولنا تلخيصها قدر الإمكان إلا أن التلخيص أيضا خرج في هيئة الإطالة...ولكنه تطويل مناسب يحول دون الإخلال بالحوادث المهمة في الحاكية. والأهم أن هذه الحكاية تستحق أن تكون رصيدا أدبيا لروادنا السرديين، ولقد أكد عبد الله إبراهيم أن السردية العربية، لم تنشأ عما ذاع بين العامة من أن السرد نشأ من تأثير الروايات الغربيين، وأن الأثر الأصيل لنشأة هذا السرد، كان من تأثيرات الروايات الشفهية، المحتوية على السير الشعبية، التي تلقى في المقاهي العامة، وتلك الحكايات تشتمل على مغامرات الأبطال والغرائب والمفاجئات التي تمتع نفوس المتلقين، "لقد كشفت الدراسات عن حقيقة ثقافية جديرة بالاهتمام، وهي أن أساليب المرويات السردية، وأبنيتها وموضوعاتها، وجهت علمية التعريب، وكانت هي الرصيد الموجه لكيفية تلقي الآداب السردية، وقد تشبع المعربون بذلك الرصيد، فجاءت اختياراتهم، ودرجة تصرفهم بالنصوص الأجنبية، وعمليات التكييف التي أجروها عليها، في ضوء ذلك الرصيد"[i]وعندما وصلت السرديات الغربية في الفضاء العربي عبر التعريبات التي قام بها الرواد الأول-أمثال(بطرس البسطاني، ورفاعة الطهطاوي، وجورجي زيدان وغيرهم)- "انصاع لنسق المرويات السردية العربية، بناء وأسلوبا، وكان يلبي حاجة الذوق المتمرس بتلقي تلك المرويات طول ألف سنة"[ii].
فما يمنعنا نحن أن نستفيد من هذا التراث الشعبي، ونعيد انتاجه في أعمال فنية متكاملة، تنبع جذورها من التراث الإفريقي الأصيل.
وفي النهاية ما هي إلا تلميحات، لذوي الألباب، والله الموفق للجميع.



الكاتب/ 

الدكتور عمران سعيد ميغا

برحاب جامعة الملك سعود





[i]  إسماعيل، عزالدين: الأسس الجمالية في النقد العربي: عرض وتفسير، ومقارنة، طبعة1412هـ/1992م، دار الفكر العربي-القاهرة. ،ص١٩١.
[ii]  القوالون، أو المدَاحون: هم أفراد من المجتمع الإفريقي يمتازون بحفظ الأنساب، والمهارة في الكلام، والمدح، وعادة ما كل كريم أو سيد يكون عنده أحد من هؤلاء وهو الذي يقوم بإيصال رسائله، وحتى في الحروب هم السفراء بين المحاربين، وله السيطرة على سيده حيث يمنعه في كثير من المواقع، ويحفظ على كرامة سيده، وأحيانا يترافقان من الصغر إلى الكبر، أي ينشئان.

تعليقات