القائمة الرئيسية

الصفحات

حول العالم

قصة قصيرة " لم يقتله إلا الفقر" بقلم: أ. عبد الكريم ماكنجوأولا (المحلي)

 
     

قصة قصيرة بعنوان:
" لم يقـتله إلا الفقر"



في حارة كوكا، يقطن رجل بجوار مخبز كبير مع أسرته في حجرة صغيرة، والأسرة عبارة عن زوج اسمه "كولا" وزوجة اسمها "كيكي" وولد اسمه "شولا". كان "كولا" مسكينا جد مسكين، ولكنه قنوع إلى حد كبير، يحب قلبه أن يأكل من عمل يده، ويفخر بالكسب من عرق جبينه، وكان همه من الحياة إسعاد أسرته، وهو جاهز لخدمتها، ومستعد لمساعدتها بكل ما يكلف من عمل وتعب، وزوجته - كذلك - امرأة صالحة، تعيش على رضا بقدر الله مع زوجها.
وذات يوم استيقظ "كولا" من النوم وقد بات هو وأسرته على الطوى في البارحة، أصبح وليس معه قرش ولا غرش، وليس معهم في المنزل ما يسدون به الرمق، قام ووجهه محتار، ظروفه لم تبتسم قط، أيقظ زوجته بجانبه بلطف ورفق زائدين، جلست زوجته وزرع "كولا" قبلة في خدها ابتسمت منها كيكي ابتسامة بعينين مغلقتين، وتبادلا التحية والسلام، واتفق "كولا" مع زوجته على أن يبكر الخروج مباشرة بعد صلاة الفجر بحثا عن الطعام، وأنه سيعود قبل أن يشكو أحد منهم بالجوع ولا سيما ولدهما الصغير "شولا"، خرج واختلف إلى المسجد، وصلى الفجر جماعة، وتلا سورة النصر وهو ممتلئ بالأمل أن الله سيرزقه.
أيقظت "كيكي" ابنها الوحيد "شولا" لكي يصلي الصبح، وعاد بعد صلاته إلى أمه يسألها عما سيتناوله للفطور، فأخبرته أمه أن أباه قد ذهب ليبحث عن الطعام، انتظر "شولا" وأمه معه طويلا، ولم يجدا من قال إنه سيعود بعد قليل! وقد بلغ بهما الجوع حدّا لا يتحمل، فأبرم "شولا" أن يتبع أثر والده الذي تأخر عليهم، واستأذن أمه وأذنت له بعد إقناعها بالعودة في وقت مبكر، خرج "شولا" وكان من حسن حظه أن لقي - في طريقه - صديقا لأبيه أعطاه نيرين لما بدا على وجهه من العبوسة. فرح "شولا" فرحا شديدا كاد يخرج من جلده منه ! فطاف بمخيلته في التو أن يتغدى بالأمر قبل أن يتعشى به! ولد في سن مبكرة لم يدخل في جوفه شيء! فأبرم ألا يعود إلى البيت إلا وقد سد رمقه وبلّل ريقه الناشف. التفت يمينا وشمالا، فوجد مطعما متواضعا في يساره، دخل فيه ليشتري ما يسعه نيران للشراء، جلس، فإذا بخادم المطعم يسأله عن نوع الطعام وعن كم يريد المشتري، فطلب الأرز والفول، ولا شيئ بعد ذلك، أحضر الخادم الطعام، وأخذ يلتقطه كما يلتقط الديك الحبة، إنها لمجاعة لا مثلها!! مجاعة يضيع في مثلها أدب الطعام!!!
لم يطل الوقت من دخول "شولا" في هذا المطعم حتى قال صاحب المطعم: أيها الولد إنك لسارق! فقدت جوالتي ولم أجدها في مكانها، وأنت من سرقها! فصاح "شولا" بصوت جوهريّ وقال: لم أسرق شيئا ولست بسارق، ولا أملك معي جوالة، أصرّ صاحب المطعم على قوله إنك لسارق، أنت من سرق الجوالة، سرقتها في حين غفلتي...ولن أسمح لك بالخروج حتى ترد ما سرقته، فأصبح في داخل المطعم دوي من صوت صاحب المطعم، فاجتمع الناس من كل حيص وبيص، قال قائل منهم ما الحاصل؟ فذكر صاحب المطعم ما حصل. وهذا يصادف الوقت الذي انقلب فيه "كولا" إلى بيته مسرورا؛ وجهه باسم، وقلبه مطمئن، وضميره مرتاح، وصدره منشرح؛ لأنه لقي في طريقه غنيا حمل له أمتعته من داخل السوق إلى موقف سيارته، فسر الغني برقة حاله، فأعطاه أكثر مما يستحق من الأجرة؛ حيث أغدق عليه من المال ما يسعده هو وأسرته، ثم أعطاه بسنيس كارد لمراجعته! احمر وجه "كولا" خجلا، وانصرف بعد شكره للغني على ما فعل، دخل بيته ووجد زوجته يسألها أين "شولا"؟ فأجابته زوجته بصوت منخفض من أثر الجوع خرج تابعا أثرك إثر انتظار طويل، ولم يرجع لحد الآن، لم يستطع "كولا" أن يزعل لأنه تأخر عليهم فعلا، فكان أول ما فعل أن بشر زوجته بحياة جديدة، إنها لبشارة سارة ألقت الابتسامة في وجه الزوجة...! يعود نشاطها، ويسيل لعابها، فأعطى "كولا" زوجته جزءا من المال تعد به طعاما لذيذا للأسرة كافة، وكم مرت أيام ولم يتفلفلوا! وبعدها خرج "كولا" يبحث عن "شولا" في كل مكان، كما قد خرجت الزوجة إلى السوق! 


وفي المطعم قد اتفق الناس على أن "شولا" هو الذي سرق الجوالة بالفعل، وطلبوا منه استردادها من أي مكان أخفاها فيه، ولكنه لم يملك إلا قوله:" لم أسرق جوالة، ولست بسارق"! فألب صاحب المطعم عليه الناس، فوقعوا به يضربونه ضربة شبه قاضية، وبينما يمضي "كولا" في طريقه وجد الناس مجتمعين، فأسرع ليعرف ما سبب اجتماعهم، فإذا بــــ"شولا" هو الذي تكأكأ الناس عليه يضربونه، زاحم القوم واقترب من ولده يقول: أوقفوا الضرب! أوقفوا !! إنه ولدي.. ماذا فعل؟! ، قالوا سرق الجوالة! قال: سبحان الله ! سبحان الله! كررها "كولا" مرارا، ولم يشك في أن ولده لم يسرق حقيقة من شدة الجوع، الجوع الذي كان يعصرهم بقوة!. طلب المساعدة من الناس لنقل ابنه إلى المستشفى، فأبى الناس أن يساعدوه، غير أنهم أصروا على أن يدفع ثمن الجوالة المسروقة، تنفس "كولا" تنفسه الصعداء! (هممممممم).
 وكانت المفاجأة أن دخل ولد صاحب المطعم فجأة، واستخرج الجوالة من جيبه، وقال يا أماه هذه جوالتك، تركتها في مكان مفتوح غير آمن، وخفت عليها، فأخذتها لأضمن لك حفظها من الضياع والسرقة، ولما سمع الناس هذا الكلام ذهلوا جميعا، وأصبحوا باردين كأنما خرجت أرواحهم من أجسادهم!!! علموا جميعا أنهم قد اتهموا المسكين، وعذّبوه من غير ذنب، سُقطوا في أيديهم، وأصبحوا حوله كالعوائد حول المريض، يعلّلون من لا يسمع الكلام ولا يرد الجواب، فقاموا مسرعين لإنقاذه ونقله إلى المستشفى شفقة عليه، أوقفوا سيارة أجرة صغيرة، حملوه برفق زائد فدخلوا به في السيارة، جلس "كولا" إلى جانب ولده "شولا" يناديه ويتعلله، وفجأة فتح "شولا" عينيه المغلقتين وبكي، نظر إليه أبوه واستعبر، وضمه إلى صدره وهو يسترسل البكاء، فقال أحدهم للسائق: أوقف السيارة؛ فنحن في المستشفى، نزلوا لنقل "شولا" إلى داخل المستشفى فإذا هو يتنفس أنفاسه الأخيرة، وفارقت الروح جسمه، وانتهت حياة المسكين! ولما علم "كولا" ما حصل لولده دوى بصوت مرتفع انتفخت منه أوداجه يقول لم يقتله إلا الفقر! لم يقتله إلا الفقر!! لم يقتله إلا الفقر!!! 


 الكاتب:
أ. عبد الكريم إسماعيل ماكنجوأولا (المحلي)
جامعة الملك سعود

تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق

إرسال تعليق

شكرا على تعليقك