القائمة الرئيسية

الصفحات

حول العالم

الأدب العربي بين الفن و الجمال/ أ. حسين عبد النافع أبانكندا

الأدب العربي بين الفن و الجمال


 حسين عبد النافع أبانكندا
   يخطئ بعض الكتّاب من المحدثين لخلطهم بين مفهوم الجمال و الفن في الأدب العربي؛ إذْ لا يضعون حدّاً فاصلاً بينهما وأثّر ذلك سلبياً مع القارئ،  و لعل سبب ذلك راجعٌ إلى عوامل منها ، إنّهم ذهبوا إلى قول بعضهم في تعريف الأدب بأنّه " فن جميل" فنظروا إلى أنّ "جميلٌ" صفة للفن باعتباره ظاهرة لا تنفصل عن موصوفها ( الفن) حسب موقعه في الإعراب كما جاء في التعريف السابق فعدّوا الجمال جزءاً لازماً للفن.

     بالإضافة إلى هذه العوامل التي دفعتهم إلى هذا الخلط أنّ معرفة الفرق الدقيق بين الشيئين المتلازمين أمرٌ فيه مشقة و لا سيما إذا كان في شيء غير محسوس، وتزداد هذه المشقة بالنظر إلى درجة الاتصال بين هذين الاثنين كما هو الحال في الفن و الجمال؛ لأنّ درجة الاتصال بينهما عالية، ومنها أنّ بعض الفلاسفة اعتبروا الفن ميداناً وحيداً لحقل الجمال و من هؤلاء الفلاسفة هيغل حيث قصر الفن على الجمال فقال: "نقصر مصطلح علم الجمال على الفن الجميل" و قال في موطن أخر: الموضوع الحق لبحثنا هو جمال الفن منظوراً إليه على أنّه الحقيقة الوحيدة لفكرة الجمال .
      يلاحظ من كلام هيغل أنّ الجمال و الفن ظاهرتان متلازمتان بدليل أنّه أضاف الجمال إلى الفن و هذا يعني من وجهة نظره أنّ الفن هو الجمال، لكن هناك رأي في هذا الصدد خالف رأي هيغل و من معه  مما يدع المجال للفرق بينهما يقول جون ديوى " إذا بحثنا الصلة بين الفن والجمال وجدنا أنّ الفن يشير إلى العمل الانتاجي والجمال يشير إلى الإدراك والاستمتاع" يُستفاد من هذا الكلام أنّ الفن متعلق بمن يقدّمه و الجمال بناظر إليه؛ لأنّ العمل الانتاجي هو عمل الإنسان يحاول أن يحوّله إلى مادة جديدة صالحة، أما الإدراك و الاستمتاع بالجمال فعمل من الناظر إلى منْ قدّم العمل الانتاجي ( الفن) وفي هذه الحالة يمكن القول إنّ العمل الأدبي الفني مسعى من مساعي الأديب، لإنتاج عملٍ جماليٍ بقصد إثارة مشاعر السرور في نفس قارئ عمله؛  إذ كان الجمال والذوق العذب يكمُنان في الفن الشعري ولكنهما يَبرزان نتيجة من استجابة قارئ هذا العمل، و كذلك الجمال حكمٌ يأتي من الناقد الذي له قدرة على الحكم بالجودة التي هي الجمال أو الرداءة التي هي القبح في العمل الفني؛ إذ كان من طبيعة الحال  أنّ الفن موهبة لكل شاعر لكن بدرجات تختلف بين الفرد و الأخر.
    ولعلّ من الواضح أن الغاية في النقد الأدبي الوصول إلى حد عناصر الهوية الجمالية التي تميّز الخطاب الأدبي عما سواه، وإذا تمّ اكتشاف القيم الجمالية الشعرية و متعتها و أثرها على النفس يمكن الحكم على العمل الفني وقتئذ بالفن الصافي و يبدو أنّ دراسة الشعر من الناحية الفنية تعطي الجمال الشعري منازله  و مراتبه كما تبرز مكنون ضمائره بالإضافة إلى أنّ الفن يحدّد جماليات التعبير الشعري عند هذا الشاعر و من ذاك .
     يُتوصل من خلال ما سبق ذكره أنّ الجمال يظهر من خلال العمل الفني فدلّ ذلك على الربط الشديد بينهما لكن من الواضح أنّ الفن وسيلة إلى تحقيق الهدف المرجو في الحقل الادبي و هو الاستمتاع بالجمال في النص شعراً  كان أو نثراً و من الممكن أن تفوت هذه الوسيلة فيفوت الهدف الذي يرمي إليه أدبنا و يخلو الفن من مواطن الجمال و تتبدى مواطن القبح في ذلك فبهذا كله إنّ الفرق واضح وضوح الشمس بين الجمال و الفن مع شدة القرب بينهما و أما قصر الفلاسفة الجمال على الفن بدون النظر إلى احتماله القبح نوعٌ من الغلط و الخطأ المبين؛ لأنهم أغفلوا الجانب الايديولوجي إذا تغلب على الفن لدى شاعر فتقلّ أهمية الجمال حينا أو عدم هذا الجمال حينا أخر،  و أما تعريف بعضهم للأدب بأنّه فنٌ جميلٌ فليس بالدقيق و الأدق من وجهة نظري الأدب إجادة التعبير.
بقلم/ أ. حسين عبد النافع أبانكندا
نيجيري
برحاب جامعة الملك سعود



تعليقات