القائمة الرئيسية

الصفحات

حول العالم

الخطاب الاستعماري في أدب مالي/ بقلم دكتور عمران سعيد ميغا

IBRAHIM DICKO
   الخطاب الاستعماري

 قراءة في نتاج إبراهيم ديكو: حامد

   نعود من جديد إلى أديبنا إبراهيم ديكو...لنتصفح عن آثاره الفكرية الإبداعية...لنحصل على كنز نفيس لكل قارئ يعطي أهمية لتراثه الفكري...عجبا لهذا الرجل الفذ وعقليته العظيمة التي تنفّذ بها إلى أغوار هذه الكوامن الفكرية ...والتي تمكن بها أن يترك لنا مادة خامة صالحة أو مستجيبة لإجراء جل المناهج النقدية المعاصرة...فقد تحدثنا في حلقاتنا السابقة عن الجانب الاجتماعي من نتاجه الفكري وتحدثنا عن شيء من التراث الشعبي لديه...وما قضية السيدة مريم ببعيد وهي حكاية قيمة لعشاق النقد الثقافي لكونها تُظهر قيمة المرأة في هذا المجتمع الذي طالما وسم بالسطوة على البنات وغصب أحقيتهن في اختيار من يردن الزواج به، ملخص الحكاية: أن مريم هذه سيدة نبيلة تملك أمة تخمدها وقد وضعت ثلاثة  ألغازا مهرا لمن يستطيع فكها...ويمر جماعة من الرجل بدون نجاح إلا شاب يذهب إلى والديه يطلب منهما الدعاء ليتوجه إلى خوض هذا الغمار فينجح الشاب بفضل الله ثم بفضل دعاء والديه...وحتى ما ذكرناه عن الثور يدخل في هذا الباب النقد الثقافي...وربما يرى البعض أنني تطاولت في رفع قيمة الرجل ولكني أعتذر منهم أنه يستحق أن يبرز نتاجه لبني جنسه حتى لا يقال أننا لا نملك تراثا ثقافيا وهو في هذا الجانب خير من حافظ لنا عليه بأدواته اليسيرة...


لنعد إلى موضوعنا الخطاب الاستعماري أو نظرية ما بعد الاستعمار كما يحلو للبعض أن يسموه: نظرية تسلح بها كتاب العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة كتاب آسيا وأفريقيا لمجابهة التمركز الغربي، وتقويض المقولات الفكرية الأوروبية والأمريكية تقويضا وتشتيتا وتأجيلا،  بآليات منهجية متداخلة: تفكيكية، وثقافية، وسياسية، وتاريخية، ومقارنة... ومن ثم، فنظرية "مابعد الاستعمار" هي حركة ثقافية مضادة ومقاومة، ظهرت في مرحلة "مابعد الحداثة" للوقوف في  وجه التغريب، والتهميش، والتعالي، والهيمنة الغربية المغلوطة.

وإن تأملنا أعمال ديكو نجده قد ترك لنا نموذجا عن هذا النوع من الخطاب... وذلك في قصة اعتقال الاستعمار لشباب المنطقة وإدخالهم في الجندية جبرا....يصور لنا ديكو تجبر المستعمرين وغطرستهم وسطوتهم على أهل المنطقة، حيث يبدون في معاملتهم مع الشعب كمن يملك حظيرة من الدواجن يأخذ منها كل صباح حسب حاجته....ويسرد لنا ديكو قصة(حامدو) :غادر حامدو مع زملائه من المنزل في الصباح إلى المرعى ...ورجعوا مساء فلم يرجع معهم حامدو فسالهم الولد عن ابنه حامدو...: أي بَني وأين حامدو؟ فقالوا له اعتقله النصارى( أي البيض المستعمرون) ...وعند ذلك هم الوالد الشيخ العجوز بالذهاب إلى النصاري ليشفع له في ابنه وربما إذا رأى حاله فهو عجوز عاجز لا يقدر حتى على المشي فضلا عن أن يستطيع القيام ببعض مهامه الحياتية...أن يشفق عليه ويطلق سراح ولده...فتوجه إلى قصر النصاري الوالي المستعمر...فلما وصل الشيخ إلى باب الدار...نهره الحراس ورفثوه  حتى سقط على الأرض...والوالي النصاري في الداخل يراه فأمر بتركه يصل إليه...فسأله عن حاجته...فقال له الشيخ: ابني حامدو الذي اخذتموه هو رجلي، وهو يدي، وهو عيني، أشفق لحالي وارحمني بإعادته إلي...فثار الوالي غضبا وزمجر وصاح...فقال متعجبا: أهذا ما يقوله هذا الجاهل!؟ فانهار عليه بالضرب، حتى سقط الشيخ أيضا على الأرض...فأمر الوالي النصاري بإبعاد الشيخ عن منظره...فنهض الشيخ واعصب عمامته ثم بحث عن حذائه...ثم تناول عصاه التي يتوكأ عليها لعجزه عن الاستقامة على ظهره. ثم أخذ سبيله إلى داره منشدا:


       جعلونا دواجن في حظيرة.
       وهي في ملكية صاحبه يفعل بها ما يشاء.
       ومتى ما أراد صاحبها يأخذ منها ويذبح.
      وإذا لا يملك الإنسان حريته! سيرى كل شيء في حياته..




هذه هي الأبيات التي رددها الشيخ قافلا إلى داره...وهذه الكلمات تصور لنا عدم الامكانية، وعدم القدرة عن الدفاع عن الذات. تصوُّر الدواجن في الحظيرة يعطي دلالة واضحة عما يفعله الاستعمار بالشعوب المستعمرة. وما يبرزه تعاملهم مع الشعب  خير دليل على ذلك. لا رحمة في قلوبهم لهذه الشعوب، وإلا حال هذا الشيخ ـــــــ وما أكثرهم ـــــ يرثى لها فمن المفروض مساعدتهم وليس إهانتهم مع ضربهم...والغريب في الأمر أن معاملة عملاءهم أشد منهم أنفسهم، لأن الحراس الذي صدوا الطريق أمام الشيخ واستقبلوه بالضرب والزجر من أبناء الشعب ولكنهم أعميت أبصارهم فسيطر العنف على عقولهم...فلا يرون إلا ما يراه شيف(السيد الوالي)... ويبذلون جهدا في الحصول على رضاه، وإن كان على حساب اضطهاد بني جنسه...

   و يا أسفاه...و يا رحماه لأمتنا!!! ...وحال هؤلاء العمال ليست ببعيدة عن العمال الجدد الذين ينهبون خيرات الشعوب لصالح أسيادهم الذين ينصبونهم في رئاسة دولنا....!
     تلك كانت جولة قصيرة في أعمال هذا الأديب الفذ الذي حفظ لنا على هذه الذكريات المرة...والتي يحاول المستعمر طمسها...ليكسب ودنا وهو ألد اللدود...ولله در المتنبي في الحذر من العدو(إذا رأيت نيوب الليث بارزة...فلا تظنن أن الليث مبتسم).

                                                                                                        بقلم الدكتور/
 عمران سعيد ميغا
من دولة مالي

  جامعة الملك سعود



تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق
  1. يبقى إبراهيم ديكو رمزا ادبيا لثقافة "أينها" ولكن الصحوة الدينية التي تزامنت مع أعمال الفنان في تلك الحقبة أثرت في تعاطي المجتمع مع اعمال الأديب في النشر والتدوين والتسجيل وخصوصا ان أعماله يمتاز بالطابع الشعبي الريفي الذي يعتمد على الأعمال "الحية" القريبة من المتابع.

    شكرا دكتور/ عمران على هذا الإثراء المعرفي

    ردحذف
  2. زدنا يا دكتور زدنا الله يبارك فيك

    ردحذف

إرسال تعليق

شكرا على تعليقك