القائمة الرئيسية

الصفحات

حول العالم

 نظام الأقران في مجتمع سونغاي غابيرو أنموذجا:

الانضمام إلى مجموعة الأقران- مراسيم لبس العمامة- التقاليد والعادات في الزواج- التقاليد والعادات في العقيقة

.

إننا نقصد بالأقران مجموعة من الناشئين الذين يترعرعون معا في بيئة واحدة، وبينهم تقارب في العمر والهيئة في البداية، وهم في سن الصبا يتلاعبون معا، ويسامرون معا، وربما قاموا بحملات العمل معا، حيث يعطى لكل واحد منهم فرصة، وبهذا يترعرعون ويربط بينهم علاقة ود وتفاهم، تبقى معهم إلى أن يفارق بينهم أسباب الفراق الأبدي أو المؤقت.

والعلاقة التي تنشأ بين هؤلاء الناشئين تكون علاقة قوية جدا، تنبى عليها أمور في الحياة الاجتماعية، بل هي أساس التضامن الاجتماعي بين المجتمع، وبها يعرف الأجيال ويميز بينهم، وفضيحة أحدهم فضيحة للجميع، وفوزه فوز للجميع، ووالد أحدهم والد الجميع، وكذا جميع أفراد أسرة أحدهم.

وهؤلاء الأقران لديهم عادات وتقاليد ورثت عن الأجداد يحذون خطواتهم ويسعون على منوالها، علما أن كل منطقة قد تمتاز بشيء يسير وإن كانت في النهاية تتشابه إلى درجة الصفر. ولذا في هذه العجالة سنكتفي بالعناصر المهمة من العادات والتقاليد التي نرى أن الجل قد يتوافقون فيها وإن حدث اختلاف فلا يكون اختلافا بائنا. وتشتمل غابيرو  على 16 قرية، مترامية على ضفتي النهر النيجر. ومن هذه العادات:

الانضمام إلى مجموعة الأقران



الانضمام إلى الأقران ويسمى في لغة سونغاي( كُورَايْ-أَلْوَدِّي)، تتكون المجموعة في البداية من ذلكم الأطفال والأصدقاء الذين نشأوا معا،  ولكي ينضم كل في مجموعة خاصة، ويعترف به أنه فرد من تلك المجموعة يجري عليه ما يجري على جميع الأقران، وله الحق في مطالبة الحقوق التي تكون في صالح الأقران، يجب أن يتفق الجميع على عدد الأغنام التي يذبحها كل فرد، وعدد رؤوس الأغنام تختلف من قرية إلى الأخرى مثل البعض يتفقون على خمسة رؤوس، يذبحون الثلاثة لأنفسهم ثم ينضمون بالبقية إلى مجموعة الأقران الأكبر منهم الذين يأتون خلفهم مباشرة، والبعض يتفقون على ثمانية، السبعة لهم وينضمون بالأخير في المجموعة التي تكون سابقة لهم أي إخوانهم الكبار، ويعرفون (إيربيراي كورا Irbeerey Koura ).

ينبغي أن يفهم في هذا الموقف أن عدد رؤوس الأغنام هذه ليست هي العدد المفروض على المجموعة الكاملة، بل هي عدد مفروض على كل واحد من أفراد الأقران، ولو كانون عشرين شخصا.

وفي هذا الموقف تقع حوادث تدل على تضامن المجتمع وتسامحها فيما بينهم، لأن الأقران بعد الاتفاق على عدد الرؤوس التي يلتزم بها كل فرد، يخرجون في الليالي مع بعض الأشخاص ثم في مكان ما يقولون يا فلان عليك أن تذبح لنا اليوم، وإن كان الرجل لا يملك شيئا، لابد أن يذبح، وفي هذا قد يذهبون به إلى حظيرة أقربائه، ويختارون أحسن غنم أو معز وأسمنها، ثم يخرجون به ويذبحونه في الليل، ويوقدون النار يشوون بعضا ويوزعون بعضا منها بين الحاضرين. والعجُز من الذبيحة مع الأحشاء يأخذونها في تلك الليلة ويضعونها عند عتبة باب فتاة من الفتيات التي يرونها من أقرانهم في السن لتكون دلالة على كونها في مجموعة الأقران الفلانية، وإذا وضعوا اللحم والأحشاء في الليل يتولون إلى بيوتهم وفي الصباح الغد يذهبون إلى بيت تلك الفتاة التي وضعوا اللحم ببابهم، ويجدون أن الأمهات قد فهمن ما حدث، فتهيئ ما في وسعهم لشرف بنتهن ألاّ تفضح من بين الزميلات أو الأقران، وتحضر زميلاتها هي أيضا، ويقيمن حفلة في ذلك اليوم.

وهكذا يفعل كل فرد حتى ينتهي الشوط الأول ثم الدور الثاني إلى أن يكملوا عدد الرؤوس التي هي خاصة بهم، ويبقى ما يلتحقون به أو ينضمون به في مجموعة كبارهم. وفي هذه المرة يذبحون عدد الرؤوس التي ألزمهم بها إخوانهم الكبار، ويتركونها لهم دون أن يلتمسوا منها شيئا، فالإخوان الكبار هم من يتولون شأن السلخ والتوزيع فيما بينهم، وبهذا يعطون إخوانهم الصغار رخصة الانضمام، ويشاركونهم في كل حق يأخذونها من العادات التي تخصص حظا لتلك المجموعة. وإن حدث أنهم أقاموا مناسبة فلم يخصصوا لهم نصيبا مما يستحقون فإنه يلزم تعويض ذلك للإخوان الصغار، وهكذا بالعكس.

وبعد هذه المغامرات يتم الاعتراف بهم وبوجودهم في المجتمع، وأنهم يستحقون مجلسا في القضايا الاجتماعية، ولذا أحيان يقال لم نر من المجموعة الفلانية إلا واحد، أو لم يحضر أحدا منهم، إلى غير ذلك من الإشارات التي تبين مكانتهم في المجتمع. ولذا يلزم بعد هذه الفترة فترة الصبا، أن ينتقلوا إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة لبس العمامة. وفي العادة كل مجموعة من الأقران يطلقون على أنفسهم لقبا يعرفون به، مثل سِيبِيرْ أُونزْ، سِينْكَنْدِي، وأنا وجدت نفسي في: سُومْبَا أَفَنْسِي(نوع من الأرز له شوك والمزارعون يفصلونه من الأرز الذي يحرثونه)، ولها دلالة لديهم ولكن لا أدري لم اختاروه !!!

وفي جهة (بوريم) حيث ترعرعت مع بعض الإخوة في الكُتَّابية، الانضمام يكون بالذبح وإقامة الحفلة للأقران، أو بالمصارعة فإن صارع أحدا فتغلَّب عليه، فهو يستحق الانضمام، وهكذا دواليك.

 مراسيم لبس العمامة

مراسم لباس العمامة، فإن العمامة علامة على أن الولد أصبح رجلا، فعليه أن يستحي ولا يمشي بين الناس وليس على رأسه شيء ولو خرقا، وهو بين القوم منكشفا وجهه كل الناس ينظرون إلى شفتيه وأذنيه، ولذا إذا بلغ الولد 15-20 يحق له إقامة حفلة لمناسبة لبس العمامة، شعار الرجولة.

وفي هذه المناسبة، هناك مستحقات للأقران، البعض يلزمه بخمسة عشر عظما، قدر ذبيحة واحدة، هذه خاصة للأقران(ألودّو)، وهي مشتركة كذلك بينهم وبين الإخوان الكبار الذين انضموا إليهم حين ذبحوا لهم بقية رؤوس الأغنام، أو العدد الذي طالبوهم به. يعد عدد العظم منذ السلخ قبل الطبخ، وبعد الطبخ أيضا تحاسب عدد العظام أيضا حتى تكتمل خمسة عشر عظما. ثم يعطى بهذا اللحم في بيت لبس العمامة، بيت خاص أو كوخ يبنى على شكل مستطيل يتقابلون فيه ويقضون أيامهم فيه.

وفي بعض المناطق، المستحقات: ثلاثة صحون من الرز، ثلاثة دواجن، كيلوين من السكر وشايهما، وخمسة وأربعون عظما، أي ثلاثة أغنام.

والمتحدث يقول حتى لو ذبح صاحب الوليمة عشرين غنما إنما يفعله لضيوفهم وهذا لا يعني الأقران إنما يعنيهم حقهم الذي هو عدد العظام المذكورة التي يتشاركون فيها مع إخوانهم الكبار الذين انضموا إليهم. والأقران كما يراعون عند التقسيم إخوانهم، كذلك الضيوف الذين يحضرون الوليمة من قرى أخرى فهم يحاولون أن يجد كل منهم حظه من القسمة.

وفي صباح الغد من ليلة بداية الوليمة، كلّ الأقران: الصغار والكبار، يجتمعون بعد أن يربط العمامةَ الوالدُ أو من يكون متخصّصا في ربط العمامة لمثل هذه المناسبة، على رأس الولد، ثم بعد ذلك يقول والده سلَّمته بمبلغ كذا أو بقرة أو غنم... وكذلك تفعل الوالدة، والأخوات وهم الذين يفتحون جراب الإعانة، أو العناية ويسمى (فُورَايَن Fourayan أو بُونْ دِيكِي Bondeke,Bonsargay)، ثم ينطلق الجميع مع زميلهم الذي ربط عليه العمامة، إلى التجوال في القرية، فكل بيت يدخلون فيه، يخرج أهل البيت شيئا يقدم لهم  إما الأزر أو الذرة أو غيرهما من الأكلات الميسرة لديهم، وقد يعطون النقود أيضا. ومن خلال التجوال كل الأقران ينظرون بعضهم البعض فإن غاب مجموعة من الأقران لن يعد لهم نصيب عند القسمة، ولكن لو حضر فرد واحد من مجموعة ما سيأخذ نصيب مجموعته ويمثلها. ونفس الشيء في المساء حيث تقام حلبة رقص للشباب (تونا Tona ) فمن لم يشارك لا نصيب له.

وهذه المناسبة يلزم على كل شاب في القرية أن يعد حسابه لهذا اليوم، لأنك بعد أن يربط على الرأس العمامة، كل واحد من الأقرباء وغيرهم يأتون يدلون بشهاداتهم عليك أو لك، فإن كنت محسنا ذا خلق أثنوا عليك وعددوا مواقفك الطيبة معهم وأنك تستحق فوق ما في وسعه أن يقدمه لك، وإن كنت غير ذلك أذاعوا الأخلاق السيئة التي لا تريد أن تذكر أبد فضلا في مثل هذا اليوم.

تبرز دور الأخوات، كل تجهز صحنا تأتي بها في يوم أخيهن العزيز، وتصنع أغلى أصناف الطعام لتحضرها في المناسبة. وأحيانا هذه الصحون وحدها تكفي الضيوف. وكذلك جميع الأقرباء والأعمام، الأخوال، العمات، الخالات.... كل يؤدي دورا لك في هذا اليوم.

وبعد هذه المرحلة تأتي مرحلة الزواج، حيث اجتاز الرجل مرحلة الصبا، وحق له أن يتحمل مسؤولة ويكون أسرة.

 التقاليد والعادات في الزواج

العادات والتقاليد المتوارثة في الزواج، تبدأ من الخطبة، إلى الزفاف، وعليه، عند الخطبة، بعد القبول، يعطي الرجل ما يسمى (ما فتندي Maa fattandi) إظهار الاسم، أي الإعلان على أن فلان قد خطب فلانة وتم القبول فهي في عقدها، بعد ذلك يرسل العشاء (هاورند Hawrandi) قدر ثلاث أكياس من الأرز، وبعد ذلك تغطية الأثر ( تشيدابو tchedabou)، وفيها يكون إحضار أغنام، والشاي، وحقيبة ملابس العروس، بعد هذه المرحلة يحدد تاريخ العقد والزفاف، وعند الزفاف لا يلزم حساب عدد العظام لأن الزفاف في العادة تكون عند الأصهار، والأصهار لا يسألون إنما يقبل منهم كل ما جاء منهم، قد يذبح بقرة، وقد يكتفي بما استحضره العريس. ولكن أحيانا الزفاف يكون عند الأصهار في الغالب ولا تزف العريس إلا بعد ابنها الثالث، وأحيانا الزفاف يكون عند الرجل، ولكن الإنجاب يكون عند أهل الزوجة.

عند الدخول أو البناء على الزوجة، يصنع الرجل عشاء للأقران، وكذلك عجين من الرز يدق قليلا ثم يقدم لهم يقسمونه فيما بينهم، مع السكر والشاي. وبعد العشاء قبل الدخول الأقران يقومون بجمع الإعانات، (fourayan)، ثم يدخلون الرجل والعروس في بيت الزفاف.

التقاليد والعادات في العقيقة



ومن العادات والتقاليد في العقيقة حيث إن الأغلب أن تكون العقيقة عند أهل الزوجة، حتى لو كان الزفاف عند الرجل، فما يجب على الرجل في الابن الأول أربعة رؤوس من الأغنام، الاثنين منها خاص بالأقران لا نقاش في ذلك يذبحان ويسلخان ثم يأتون بالأضلاع مباشرة حيث يكون الأقران ويشونها فيشربون عليها الشاي قبل الغداء، وثلاثة في الابن الثاني، والثالث اثنين، وفي الرابع فالرجل وشأنه لا يسأله الأقران عن شيء.

والبعض يكتفون بثلاثة أغنام(45عظما) للأقران في مرتين فقط، ثم يتركونك ولا يسألونك عن شيء.

وعند الذهاب إلى العقيقة يختار من كل مجموعة من الأقران المنضمين معا شخصين اثنين، ليمثلوا مجموعتهم يوم العقيقة، وهم الذين يمثلون أصدقائهم، ويأخذون حقوقهم عنهم. وفي ذلك إن حدث خطأ أن لم يخبروا فإن المجموعة التي لها المناسبة، أي التي أنجبت زوجة أحد أفرادها، تتحمل المسؤولية فتعوض الأخرى إن طلبت بالتعويض.

هذا تمكننا من جمعها من خلال أحاديث الأصدقاء والزملاء، ولعل الفرص تسنح لنا أن نوسع فيه وندرج ما فات الأفكار وغاب عن الأذهان، ولقد رأيت جمع هذه المعلومات لأنها تكاد تضيع، فمن يأتي بعد هذا الجيل إن لم يذكر لا أظن أنه سيدرك أن لديه ثقافة تتكون من مجموعة من العادات والتقاليد التي كان المجتمع في تلك الأزمان يربون بها أبناءهم ويوجهون بها حياتهم الاجتماعية.

هذا والله الموفق.

د/ عمران سعيد ميغا

الرياض: 8-03-2024

@: imirsem@gmail.com

 

انت الان في اول مقال

تعليقات