القائمة الرئيسية

الصفحات

حول العالم

المعنى بين المبدع والمتلقي/ بقلم أ. رضوان أديوالي تيجاني

المعنى بين المبدع والمتلقي 

 رضوان أديوالي تيجاني"المعنى في بطن الشاعر"!!!.... تلك هي المقولة القديمة التي كثر مرددوها منذ أن عني الناقد بتأويل النصوص الأدبية الشعرية والنثرية، ومنذ أن بزغ فجر استقراء النصوص الأدبية واستنطاقها بغية كشف القيم المختلفة التي تتبطنها، إلى جانب كشف الأنساق الثقافية  التي تشكلت في الإطار الثقافي والاجتماعي لبيئة الشاعر.
إن ما تسعى هذه السطور إلى استيضاحه هو محاولة مواكبة التطور والتجديد الذي طرأ على هذه المقولة، وتسليط ضوء ولو بسيطا على المرحلة اللاحقة للمقولة.
فهل ما زال المعنى الشعري في بطن الشاعر؟؟ أم إنه خرج من بطنه وانتقل إلى موطن آخر؟؟؟ عقل المتلقي مثلا !!
تبرز الإجابة على هذا التساؤل واضحا عند موازاة هذه المقولة بمقولات نظرية التلقي كما تبلور عند كل من رولان بارت وتزفيتان تودوروف وبول ريكو وميشيل فوكو.
لقد وهب الرومانطيقيون الشاعر سلطة قوية على غرار تلك المقولة التي تولي الشاعر الهيمنة والسلطة الكاملة في تأويل نصه واختيار المعنى المناسب لتجربته الشعرية، ثم لم يقف المعنى في بطنه فقط، بل صارت شخصيته وسيرته الذاتية جزءا لصيقا بالإنتاج الأدبي، وبذلك اعتبرت التجربة الشعرية مرآة وترجمة صادقة للشاعر وحياته وأحاسيسه المرهفة.
لكن مع إيجاد التفسيرات العلمية للإنتاج الأدبي الذي عملت الشكلانية ونظريات ما بعد البنيوية  جاهدا على تبلورها انحسر الشاعر  عن ميدان التجربة ليترك الريادة الفعلية للإنتاج الأدبي لغيره، ويترجل من عرش الإبداع الذي احتكره لنفسه، وسانده فيه النقد الكلاسيكي عندما أرجع التأويل النقدي إلى المبدع وسلم إليه زمامه.
ثم نادى إليوت باللاشخصية للشاعر، فهو معدوم لا يعنينا أمره، أو بالأحرى اعتباره فضاءا ثقافيا، وقد تردد صدى هذا التوجه لدى رولان بارت في مقولته الشهيرة: " اللغة هي التي تتكلم وليس المؤلف" فلم يعد المبدع في ضوء النظريات المتعاقبة منشئا، وبشكل اوضح؛ لقد زعم النقد القديم أن المبدع هو مبدئ اللغة ومنشؤه، ولذلك تعامل ذلك النقد معه على أن اللغة ملكه وهي (اللغة) مجرد وسيلة، فامتلك المبدع بذلك مكانة عالية، وجعل غاية لا يمكن الاستقرار على جوهر إنتاجه الأدبي إلا من خلاله، ولكنه أضحى بعد ذلك مجرد مستخدم اللغة، فدار به الرحى فأضحت اللغة الغاية، وإنما المبدع يستخدم اللغة كما يستخدمه غيره وذلك باعتماده على المخزون الثقافي الجماعي الذي يشاركه فيه كل البشر.
إذن فمعنى الشعر لم يعد في بطن الشاعر، فالشاعر ليس له شخصية تستلهم سيرته في تأويل النص الأدبي، بقي أن نعود إلى النص، ونوليه قراءته المناسبة، فيمكن القول إنه من هنا برز العديد من القراءات الثقافية والمقاربات السوسيونصية التي لا ترتكز غالبا في تفسير أحاسيس الشاعر والمبدع بقدر ما يحاول الوصول إلى العقل الجمعي الذي يتحكم في إنتاج النص.
ولعل مما يخرج المعنى الشعري من هذا الأفق الأحادي ظهور النظريات النقدية الحديثة جدا، والتي تجعل من المبدع متلقيا ومن المتلقي مبدعا، وذلك عبر الاستفادة من التقنيات الحديثة وتوظيفها في العمليات الإبداعية، فاستفاد الأدب من النصوص المتفرعة او المتعالقة (Hpertext)، وتركت حرية التلقي إلى القارئ ليحدد معنى النص الإبداعي، فالمتلقي هو الذي يحدد بداية نصه ونهايته، هو الذي يقدم سير سرد الأحداث وشخصيته، فعلى الرغم من التشعبات الكبيرة التي تميزت بها نظريات التلقي إلا أن كلها يكاد يحتمع على نقكة واحدة هي التركيز والاهتمام بالمتلقي وإعطائه دورا كبيرا يسهم في إنتاج النص الإبداعي.
يظهر من خلال هذا العرض الموجز خروج الإبداع من كونه عمليا فرديا إلى كونه تجربة جماعية، فلا يحدد معناه فرد واحد يسمى مبدعا بل هناك مبدعون ومتلقون في الوقت نفسه، يبدع المتلقي بقراءته ويختلف تأويل كل متلق عن الآخر، فالمعنى لم يعد مملوكا للشاعر، بل تتواصل جدلية المعنى بين مكانه، فأين المعنى في الإنتاج الأدبي؟؟ هل هو في بطن الشاعر؟؟ ام في النص نفسه، أو عند المتلقي، أو في فضاء ثقافي متعال على جميع هذه العناصر، فإذا عرف موطن المعني في النص الأدبي عرف مالكه الحقيقي.
بقلم/ أستاذ رضوان أديوالي تيجاني
برحاب جامعة الملك سعود

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

شكرا على تعليقك