القائمة الرئيسية

الصفحات

حول العالم

جذور علم الجمال في الرومانسية

جذور علم الجمال

faisal kada فيصل كادا



الفن ليس وليد العصر الحاضر، ولم يكن تذوق جماله خاصا بالإنسان الحالي المعاصر، وإنما هو قديم قدم الإنسان نفسه، والتمتع بجماله، ووصف الروعة فيه، والحكم عليه كان يصاحب نشأته، ويتطور معه. وقد نشأت فنون لها تاريخها[1]، ونحن سندرس ما رافق تلك الفنون من التذوق والحكم على الجمال مركزين على  العصر الحديث وبالتحديد عند الرومانسيين ، وعليه  أردنا أن يكون عنوان هذا البحث  (جذور علم الجمال في الرومانسية)، وسنعتمد كتب الفلاسفة وعلماء الجمال بغية الاطلاع على النقطة البدائية عند الرومانسية في التفاعل مع علم الجمال.


تعريف علم الجمال:
لعل من الأحسن تسليط الضوء ولو يسيرا على معنى كلمة الجمال قبل التعريف بعلم الجمال كمصطلح.
        الجمال هو ذلك الإحساس الذي يسري في نفوسنا متى استمتعنا بمشاهدة الجمال يتجسد في حياتنا يغمرها في جميع مظاهرها وألوانها الطبيعية أو الصناعية. الجمال هو ذلك الشكل من أشكال الفكر" المنعكس" على نشاطه الذاتي وهو الذي جعل الإنسان يشيد المعابد والكاتدرائيات والقصور، وينحت التماثل، كما يرسم اللوحات ويؤلف الألحان والأنغام وينظم الأشعار[2]. " ويتجسد الجمال في حياتنا في آلاف الطرائق والوسائل فهو موجود في عالم الفكر، والفن، وفي عالم الأدب تبرزه فنون النشر والشعر متمثلا في القوافي المبدعة، وفي فصول القصص الأدبية المثيرة التي تفيض حركة وحياة، وفي أسلوب الأدب الذي يكتبه الأدبيب الفنان بفيض تجربته وعاطفته الجياشة التي تمثل أجمل وأغلى تجارب وجوده" [3].  ولا يقتصر الإحساس بالجمال وتذوقه على مجرد تأمل الطبيعة فحسب ولو أن الإنسان تأمل حياته الواقعية لوجد في كل ما يتعامل معه ضربا من ضروب الجمال الذي يروقه بدءا من مأكله وملبسه ومسكنه وانتهاءا بما يحيط به من أشياء[4]. " فالجمال قيمة بمعنى أنه ليس إدراكا لمادة من مواد الواقع أو علاقة من علاقاته، إنه انفعال وعاطفة يخصان طبيعتنا الإرادية والذوقية. ولا يمكن أن يكون الشيء جميلا بدون أن يحدث متعة لدى أحد الناس. وإذا لم يحدث الشيء متعة عند أن واحد من الناس لم يكن جميلا. فالجمال الذي لا يبالي به أحد يمثل تناقضا لفظيا[5].
        إن معنى الجمال، في عصرنا الحاضر، صار يرتدي طابعا جديدا، بعيدا عن الخوارق والمثالية والتخيل، بقدر ما هو يرتبط بتحولات المجتمع ومؤثراته السياسية والاقتصادية والنفسية. ومنذ أن أطلق الفيلسوف الألماني، بومغارتن Baumgarten لفظة استطيقا ،( في النصف الأخير من القرن الثامن عشر) عام 1750، ، وصارت تعني معرفة المشاعر، أوعلم الجميل اتسع نطاق علم الجمال"[6]" استقل علم الجمال وأصبح فرعا من فروع الفلسفة وحدد موضوعه في تلك الدراسات التي تدور حول منطقة الشعور والخيال الفني وهو منطق يختلف كل الاختلاف منطق العلم والتفكير العقلي، ومنذ ذلك التاريخ تقريبا صار لعلم الجمال مجاله المستقل عن مجال المعرفة النظرية وعن مجال السلوك الأخلاقي، وصار في تأكيد هذا الاتجاه أيضا الفيلسوف الألماني الكبير عمانويل كانط Kant " [7]
        ويعنى علم الجمال نظريات الفلاسفة وآرائهم في إحساس الإنسان بالجمال وحكمه به وإبداعه في الفنون الجميلة كما يعنى تفسير القيم الجمالية. ولذلك لا يتم تفسير نظريات الجمال بغير الإشارة إلى نظريات الفن وتاريخ الفن على نحو ما تقتضي الفلسفة الأخلاقية البحث في دوافع السلوك وغاياته..." [8]

مبادئ علم الجمال
        منذ القديم، كان الفنانون يضعون الفن، وكان النقاد يتذوقونه، ويشرحون روعة الإبداع فيه، فكان لدى اليونان، قديما، فنانون، وعلماء الجمال: بعضهم ينتج الفن ويصنعه، والبعض الآخر يتذوقه ويحكم عليه؛ وكذلك الرومان في أوروبا، وفي آسيا من شرقها لغربها: في الهند والصين وااليابان، وكذلك في الشرق الأوسط عند العرب.
 لقد ظلت آثار أولئك الفنانين باقية، تشهد بالعظمة، وتنطق بالروعة والجمال، وظلت بعض آثار متذوقي تلك الفنون، تشهد أيضا بروعة آرائهم وأحكامهم لكل عمل فني.
 إن ما رافق تلك الفنون من تذوق وشرح وتفصيل، أمر يدخل في نشأة علم الجمال،وهو موضوع درسنا، فكيف حدث ذلك ؟
        يرجح مؤرخو علم الجمال، بأن تذوق الفنون، والحكم على جمالها ظهر في العالم القديم، حوالي القرن السادس قبل الميلاد، حين بلغت الفلسفة أوج تطورها. وقد ظهرت أولى النظريات الجمالية في المدن اليونانية، وفي جنوب إيطاليا وجزر صقلية، وفي مدن آسيا الصغرى، حتى إن كثيرا من هذه الآراء الجمالية القديمة ما تزال تحتففظ بأهميتها حتى يومنا هذا، مثل مسألة علاقة الوعي الجمالي بالواقع، وطبيعة الفن، وكنه عملية الابداع، ومكانة الفن في حياة المجتمع، ونظرية التربية الجمالية، وتحليل الرائع والتوافق(الهارموني)" .[9] وكان أكسينوفان Xenophon (القرن السادس ق.م) أول من اهتم بالمسائل الجمالية، وعدَّ معيار القيمة الجمالية هو نفسه معيار المنفعة والأخلاق، فوحّد بين الجمال والخير والمنفعة. أما ديمقريطس (460-370ق.م)Democritus ، فكان أول فيلسوف يوناني ينظر إلى الجمال نظرة موضوعية مادية، فالجمال عنده انتظام أجزاء الأشياء المادية وتناسبها.[10]
وإذا ما أردنا إبراز  ([11]) مراحل علم الجمال فإنها ستتمثل في الآتي
  أفلاطونية أو العصر الاعتقادي.
2ـ الكانطية أو العصر الانتقادي. وفيه أسلاف كانط ـ يكارت ـ ليبنتز ـ كانط.
3ـ ما بعد كانط.
أما إذا كان لا بد من تخطيط شجرة لفلسفة الفن بالأسلوب الديكارتي(المبادئ) فسنجد أن الأفلاطونية تشكل الجذر الأصلية لعلم الجمال بصرف النظر عن طوفان الفكر الشرفي وعن أجداد الفكر الغربي(الحكماء السبعةـ وهو اسم أطلق على سبعة فلاسفة في بلاد اليونان القديمة) أو هيرقليطس أو هزيود ـ أن الفلاسفة اليونانيين الثلاثة والأعظم شأنا الذين يشكلون الركيزة الأساسية في علم الجمال هم على التوالي: سقراط ـ أفلاطو ـ أرسطو أما سقراط: 470-399 يحدثنا كزانوفون في (الطيبو الذكر) وفي (المأدبة) كيف كان سقراط يعلم براسيوسParrasios الرسام  وكليتون Cliton النحات طريقة تمثيل أحب ما في النوذج من الأشياء بنقل جمال الروح الجوهري، وراء أغشية الجسر، وعلى هذا المنوال يقول أفلاطون في (فيدون) (الجسد مقبرة)" .
ولكن هذه الملاحظات  والمعطيات السابقة لسقراط هي لا تخرج ـ أبداـ عن كونها جزئية. فمبدأ روح مشعة متلألئة بالجمال الخارق يعتبر مصدره المذهب الأفلاطوني نفسه، فالتلميذ أفلاطون أعاد التفكير في كال هذه الأمور وتجاوزها إلى حد بعيد".[12]
        لقد تحدث أفلاطون كثيرا عن الجمال في ذاته، وعن الانخطاف أو الحب الأفلاطوني، حيث يكمن الحب الأفلاطوني بوضوح في السعي وراء الجمال الأعظم ـ كما تحدث عن الفنون الجميلة وعلاقتها بالفلسفة. ولكن من العبث أن نطلب من الافلاطونية مذهبا تام البناء في علم الجمال، فليس لها من نظرية الفن إلا الأسس أي البذور ونفسية الفنان أو الجمهور تترك نفسها لملاحظات متنوعة حول دور كل من الفنون الكبرى في عملية تهذيب الأخلاق" [13]
        أما بالنسبة لأرسطو " فقد انفصل عن أستاذه أفلاطون في عدة نقاط ... فمن المرجح أن أرسطو كتب (رسالة في علم الجمال) يستدل على ذلك من أقوال(ديوحين لايرس) إلا أنه لم يصل إلينا غير قطعة من مؤلف كبير (فن الشعر) ونص تقني علاقاته محددة بعلم الجمال هو (علم البيان) فالجمال عند أرسطو: إنما يكمن في التنسيق البنائي لعالم مواجه في مظهره الأكمل فليس المقصود رؤية البشر كما هم بقدر ما هو رؤيتهم كما ينبغي أن يكونوا (والمأساة) إنما تكون في الاحتذاء بكائنات أجل من العوام أو خير منهم"[14]ولهذا نجده "يقول في كتاب الشعر" الفصل السابع" "... الكائن أو الشيء المكون من أجزاء متباينة لا يتم جماله ما لم تترتب أجزاؤه في نظام وتتخذ أبعادا ليست تعسفية ذلك لأن الجمال ما هو إلا التنسيق والعظمة" [15]
        عموما و إن كثر الكلام في علم الجمال منذ القديم، فإن هذا العلم يعتبر من أكثر العلوم شبابا، فهو لم يقف على رجليه كعلم قائم بذاته إلا سنة 1750 عندما أصدر الفيلسوف الألماني اسكندر باومجارتن (1714 ـ 1762) كتابه عن الاستطيقا أو علم الجمال وأصدر منه جزءا ثانيا سية 1757 وأصبح علم الجمال بذلك علما يدرس تكوين الذوق وطبيعة الانفعال ويهتم بتحليل منطق الفن ممثلا في طبيعة الخيال الفني في مقابل المنطق العقلي للتفكير. ويوضح هذا العلم معنى الجميل" [16]...
                      للمزيد من القراءة اضغط هــنا
  إعداد، أ. فيصل كادا.



[1] ـ ينظر: فصول في علم الجمال، عبد الرؤوف برجاوي. 189، دار الآفاق الجديدة، بيروت.ط 1، 1981م.
[2] ـ الحس الجمالي وتاريخ الفن، راوية عبد المنعم عباس، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 1998م، ص 9.
[3] ـ نفسه. ص 11.
[4] ـ نفسه. ص 11.
[5] ـ علم الجمال، ص 40.
[6] ـ فصول في علم الجمال، ص 26.
[7] ـ مدخل إلى علم الجمال وفلسفة الفن، أميرة حلمي مطر. طبعة دار التنوير الأولى 2013م القاهرة. ص 10.
[8] ـ نفسه. ص 12.
[9] ـ فصول في علم الجمال، عبد الرؤوف برجاوي، منشورات دار الأفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الأولى 1981، ص 189- 190.
[10] ـ ستار تايمز (http://www.startimes.com/?t=28499936) 18:47 31/03/2016م.
[11] ـ مبادئ فلسفة الفن. سناء خضر، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الاسكندرية، ص 138-141.
[12] ـ نفس المرجع ص 138.
[13] ـ نفسه. ص 139-140..
[14] ـ نفسه.
[15] ـ فن الشعر، أرسطو، ترجمة عبد الرحمن بدوي ص 66.
[16] ـ علم الجمال، عبد الفتاح الديدى. كتبة الأنجلو المصرية، القاهرة. ص 39.


تعليقات